حوار مع مجلة الوسطية

أجرى هذا الحوارَ مجلةُ الوسطية في عددها الثالث والعشرين، لشهر رمضان 1437هـ. رابط العدد.


جبهة الانقاذ أين هي اليوم وما هي أهم أهدافها وما هو دورها اليوم في المشهد الجزائري؟

بسم الله الرّحمن الرّحيم .. الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، هي مشروع وقضيّة .. هي تجربة وذكرى .. هي أمل وألم .

هي مشروع إسلامي وطني ، يحمله في العقول والقلوب ، كلّ أبناء الجبهة الصّادقين .

وهي قضيّة سياسيّة عادلة ، يُناضل من أجلها ودفاعا عنها ، رجال الجبهة الثّابتين .

وهي تجربة إسلاميّة فريدة .. جاءت في ظرف استثنائي ، كانت الأنظمة الأحاديّة الشّمولية ، تسيطر فيه سيطرة كاملة ، على البلدان العربية الإسلاميّة ، وكانت التّيارات المعارضة بكل أطيافها ، قد يئِست من إمكانيّة حدوث تغيير ، على المديين القريب والمتوسط .. غيرأنّ الجبهة فاجأت الجميع ، ونزلت بالمشروع الإسلامي الوطني إلى السّاحة السياسيّة ، وفي وقت قياسي ، استطاعت أن تُقنع عموم الشّعب الجزائري بطرحها الصّريح الصّادق .. ولأنها منه وتعرفه ، راهنت على إيمانه ونخوته ، وقرّرت الذّهاب إلى الانتخابات لأوّل مرة ، رغم المخاطر والمؤامرات وقلّة التّجربة .. وبينما كان الإخوة في التّنظيمات الإسلاميّة الأخرى يرون في القرار ، انتحارا سياسيّا ومُغامرة غير محسُوبة العواقب والتّداعِيات ، كان التّيار العلماني يرى في ذلك فرصة سانحة للنّظام الحاكم لتقزيم التّيار الإسلامي ، وإظهاره كأقليّة قليلة في المجتمع الجزائري .. إلا أنّ الشّعب المسلم ، كان قد اتّخذ قراره وحسم أمره ، فقلب الطاولة على الجميع ، وصوّت بالأغلبيّة الغالبة ، على رجال الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ ومشروعها الإسلامي .. فكان بعد ذلك الذّي كان ، وأصبحت قضيّة الجبهة وتجربتها الفتيّة ، قضيّة عربيّة وإسلاميّة ، داع صِيتها في جهات العالم الأربع .

والجبهة ذكرى مؤثّرة ، لاتزال عالقة في ذاكرة ووجدان ، كل من عرفها وعاش أيّامها وأحداثها .

وهي أمل قوي ، يحدُو أصحاب النيّات الحسنة والإرادات الصّادقة والمساعي الحميدة ، للمساهمة في إصلاح شؤون الدّولة ، وإنقاذ الجزائر من الأزمة نهائيّا ، بالعمل السيّاسي السّلمي الهادف ، والتّعاون مع كلّ الغيورين في شتّى مواقِعهم ، لحماية البلاد والعباد من كل الأخطار التي تتهدّدهما .

وهي ألم شديد يكاد يكون قاتلا ، تُغذِّيه ذكريات حزينة ، ومآسي كبيرة ، وجراح عميقة ، تسبّب فيها مرضى بجنون السّلطة ، لما انقلبوا على اختيّار الشّعب وأوقفوا المسار الانتخابي ، ودفعوا بالبلاد والعباد إلى مستنقع الدّماء والدّموع والخراب والدّمار، فتحَارَب أبناء الوطن الواحد ، وقتل بعضهم بعضا ...

والجبهة اليوم شتات بين الداخل والخارج ، تمثلها أربعة هيئات ، أفرزتها المحنة القاسية التي مرت بها ، وهي : القيادة التاريخية .. القيادة التي أفرزها مؤتمر باتنة .. القيادة التي أفرزها الصدام المسلح .. وقادة الجبهة في الخارج ، وقد سبق وأكدنا هذه الحقيقة ، في لقاء عقدناه سنة 2001م ، حضره ممثلون رسميون ، عن الهيئات القيادية المذكورة أعلاه ، خرجنا منه بموقف إعتراضي ، على تنظيم مؤتمر للجبهة في الخارج ، في غياب الهيئات القيادية الحقيقية ، وكتبنا تبعا لذلك رسالة ، حاولنا إيصالها إلى الشيخين في السجن ، هذا بعض ما جاء فيها : " لا شك أنّكم تدركون قبل غيركم ، أنّ وضع البلاد الحسّاس وخطورة المرحلة ، لا يسمحان بالعفوية والارتجال ، في اتّخاذ مواقف من أيّ مبادرة سلبا أو إيجابا ، قبل الدّرس الدّقيق ، والاستشارة الواسعة ، مع الاستخارة الصّادقة .. وإنّ مؤتمر الجبهة المحتمل ، الذي نسمع عنه ، ولم يؤخذ رأينا فيه ، فضلا على أنّ القائمين على تنظيمه ، لا يمثلون في قيادة الجبهة شيئا ، فهم من تخلّى عنها وشوّه سمعتها ، وتنكّر لها عن قصد تعمّده ، أو خطأ جُرّ إليه .. لكن الذي لا شكّ فيه ، أنّهم فعلوا ذلك والجبهة أحوج ما تكون لوفائهم .

وعليه فإنّ مسؤوليتنا التّاريخية ، أمام التّضحيات الجسام التي دفعها الصّادقون ، تفرض علينا أن نحدّد موقفنا ، من هذا العمل الذي يفرّق الجبهة ولا يجمعها ، ويضعفها ولا يقوّيها ، ويزيد في آلام أبنائها ولا يضمّد جراحهم .

وحتّى لا نسمح بالتّلاعب مرّة أخرى بمصير الأمّة وتطلّعاتها ، فإنّنا نطلب من السّاعين لتحقيق هذه الفكرة أن يتّقوا الله ولا يعاندوا ، ويتركوا الأمر لأهله ، ويجمعوا أمرهم على حقّ ويأتونه صفّا .. وإلا فإنّنا من مثل هذا العمل براء وله بالمرصاد .

ولأنّ أبناء الجبهة اليوم شتات في الدّاخل والخارج ، فإنّ الهروب إلى الأمام والقفز على الحقائق ، والبصر أعمى ، يوشك أن يُردي بصاحبه في هاوية لا قرار لها .

فحريّ لمن يرنو إلى الحقّ ، ويريد البناء لا الهدم ، أن يعمل على تقوية الرّوابط بين الهيئات الرسمية ، التي انتهى إليها الأمر في عزّ المحنة ، وحلكة الفتنة ، والمتمثّلة في الشيوخ السّجناء ، وقيادة الجيش الإسلامي للإنقاذ ، والشّيوخ المفرج عنهم ، والهيئة التنفيذية بالخارج ، يضاف إلى ذلك إطارات الجبهة الذين ثبتوا على الحقّ ، ولم يولّوا على أعقابهم ينكصون .

إنّ تقوية هذه الرّوابط وتحصينها وترصيصها ، لهو الأساس الأمثل في الوقت الرّاهن ، والقاعدة الأصلب ، لأيّ عمل قويم ، ينشده ذو لبّ سديد ورأي حصيف ".

هنالك من يقول أنّ جبهة الانقاذ صارت جزءاً من الماضي ما هو تعليقكم؟

نعم .. الجبهة جزء من الماضي ، لأنّها صنعت أحداثا كبيرة لا تُنسى ، وإن شئت فقل : بل صنعت التّاريخ وتركت بصمات لا تُمحى ..
الجبهة أيّها الناس حيّة في قلوب الذّين يؤمنون بها وهم كُثُر ، وحيّة في ذاكرة الذّين تأثّروا بمشروعها وتجربتها وهم أكثر ، وهي حاضرة في حياة كل الجزائريّين ، الذّين عاشوا أحداث الخامس من أكتوبر سنة 1988م ، إلى يوم النّاس هذا .. وبعيدا عن الغرور والتّضليل أقول ، وأنا في كامل قواي العقليّة : لو كان حزب فرنسا ، الذّي يختبئ مُتحصّنا ، داخل دواليب الدّولة الجزائريّة ، يملك أدنى شك بأنّ الجبهة قد انتهت ، وأصبحت من الماضي كما يقولون ، ما تردّدت السّلطة لحظة واحدة ، في فتح المجال السيّاسي ، أمام كل الجزائريّين ومعهم رجال الجبهة .. لكنّهم يعلمون يقينا ، أن عودة الجبهة يعني نهاية الكذب والتّزوير ، و نهاية سيطرة الأقليّة التّغريبيّة ، التّي تمثّل " حزب فرنسا " ، على الأغلبيّة الوطنيّة الإسلاميّة ، التّي ترفع شعار العلماء والشّهداء " الإسلام ديننا ، والعربيّة لغتنا ، والجزائر وطننا " .

ما هي التّهم الموجّهة إليكم من الحكومة الجزائريّة؟

هي نفس التّهم التّي وجّهتها فرنسا الاستعماريّة ، لآبآئنا المجاهدين عندما رفضوا الذّل والهوان ، وانتفضوا ضدّ الظّلم والطّغيان ، وحَملوا السّلاح دفاعا عن أنفسهم وأعراضهم ، وسعيا لتحرير وطنهم واسترجاع سيادتهم .. فكانوا بالنّسبة إليها خارجين عن القانون مارقين ، وقطّاع طرق مجرمين ، وفلاّقة إرهابيّين ، وعلى هذا الأساس وبهذه الذّريعة الكاذبة ، أباحت لوحوشها وزبانيّتها ، قتل مليون ونصف المليون من الشّعب الجزائري المسلم ، أما التّخريب والحرق والتّعذيب ، فحدِّث ولا حَرج .. والحديث بالحديث يذكر ، والقرارات والأحداث بأمثالها تُعرف وتُقاس .

كيف هي علاقتكم مع حكومة الجزائر اليوم؟

علاقتنا مع الحكومة ، هي علاقة الشّعب المظلوم المقهور، الذّي يتُوق إلى الحريّة والأمن والسّلام ، ويسعى للتّعلّم والتّقدّم والازدهار، مع نظام مُنغلِق مُستبد ، كغيره من الأنظمة العربيّة وبلدان العالم الثالث ، مازال يرى هذا الشّعب قاصرا صغيرا ، لايحقّ له أن يقرّر مصيره كما يشاء ، ويختار لقيّادته من يريد .. وهذه النظرة للشعوب ، ليست غريبة ، فالحقيقة يجب أن تقال ، إن الحكام من طينة شعوبهم ، وكما نكون يولى علينا ، ومتى نغير مابأنفسنا ، تتغير مجتمعاتنا ، فيتغير ولاة أمورنا ، وعندها يغير الله حال أمتنا ، وهو على ذلك قدير وعلى غيره أقدر .. نسأل الله الصلاح والفلاح .. أمّا علاقتُنا ببعض مؤسّسات الدّولة في الجزائر ، فهي مقبولة على العموم ، خاصّة قيّادة الأجهزة الأمنيّة ، التّي اعتبرها علاقة جيّدة إلى حدّ الساعة .. ولعِلمِكم فقد بادر رئيس الجمهوريّة في خطوة جريئة ، هدم بها جدار المنع والإقصاء ، ودعانا رسميّا إلى رئاسة الجمهوريّة ، للمُشاركة في الحوار حول تعديل الدّستور ، وتقديم المُقترحات المطلوبة ، وقد تمّ ذلك بعون الله وتوفيقه ، بمعيّة مئة وخمسين شخصيّة وُجِّهت لها الدّعوة .. ونسأل الله عز وجل نحن أبناء الجبهة ، أن يرحم ضعفنا ويجمع شَملنا ، ويسهل علينا تنظيم مؤتمر جامع ، تفتح فيه الأبواب لكلّ الذّين حرموا ومنعوا من العمل السيّاسي ، بسبب وقف المسار الانتخابي في الجزائر سنة 1991 م ، وما وقع بعد ذلك من أحداث أليمة .. لأنّنا نعتقد جازمين ، أنّ الجرح لن يندمل ، وأنّ باب الأزمة لن يغلق ، وخطرها يبقى قائما يترصّد ، مالم نكمِل خطوات المصالحة الحقيقيّة ، بتصفيّة تركة سنوات المحنة ، وفتح المجال السيّاسي أمام كل الجزائريّين ، في إطار الدّستور واحترام القوانين ، وعندها فقط ، نكون قد أغلقنا ملف المأساة الوطنيّة نهائيّا ... اللّهم يسّر وأعن .

ما هي أسباب حملِكم للسّلاح في علاقتكم مع الحكومة؟ ما هي الدّوافع التّي دفعتكم لحمل السّلاح في الجزائر؟

لقد سبق لي وتكلّمت عن الدّوافع والأسباب والمُلابسات ، التّي دفعتنا إلى الفرار من جحيم النّظام الحاكم وظلمه ، ثمّ حمل السّلاح دفاعا عن أنفسنا وأعراضنا ، وكتبت مُوضّحا ومُبيّنا : " أيّها النّاس .. لقد عِشنا مع شعبنا ، أعوام الدّعوة إلى الله صابرين محتسبين ، لم يكن لنا فيها من غاية إلا طاعة الله ورضاه ، ووعظ النّاس وإرشادهم ، وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم .. فاتُّهِمنا بالبطلان ، وجُررنا المرّة بعد المرّة ، إلى مخافر الشّرطة والدّرك ومكاتب التّحقيق ، ليُلقى بنا في غياهب السّجون ، ظُلما وعُدوانا ، بغير ذنب اقترفناه ، أو جُرم أتيناه ، إلا أن جَهَرنا بالحقّ وقلنا ربّنا الله .. ورغم الزّور والبُهتان والطُّغيان .. لم نَثُر ، ولم نرفع السّلاح في وجه أحد ، رغم أنّ القهر قد أفتى ، والجور وقَّع لردع الغاصبين المعتدين .

وبالصّبر تجمّلنا.. فصبرنا ، وصبّرنا ، واصطبرنا .. إلى أن أذِن الله وجاء عهد الانفتاح و التعدّدية ، فاستبشرنا خيرا ، وصدّقنا كِذبة اللّعبة الدّيمقراطية ، وانخرطنا في العمل السيّاسي ، واحتكمنا إلى صناديق الاقتراع ، مُنتهجين الأساليب السّلميّة ، طمعا في تحقيق الحلم المفقود ، وإقامة الدّولة الإسلاميّة .. الدّولة الإسلاميّة التّي لم تكن تعني لأغلبنا ، غير تجسيد المشروع المجتمعي ، الذّي ضحّى من أجله الآباء والأجداد ، ولخّصه شعار ابن باديس الخالد .. الإسلام ديننا .. والعربيّة لغتنا .. والجزائر وطننا .. وأكدّه وفصّل فيه شهداء ثورة نوفمبر المجيدة ، بحرصهم وإصرارهم على إقامة دولة جزائريّة مستقلة وذات سيّادة ، ديمقراطيّة واجتماعيّة ، ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة .

ولقد شهدتم وشهِد العالم .. كيف صفع الشّعب الجزائري المسلم السيّد ، دُعاة المسخ والتّغريب والتّبعيّة لفرنسا الاستعماريّة ، وأشهر البطاقة الحمراء في وجوههم .. وكيف وقف إلى جانبنا عن طواعيّة ورضى ، و ناصرنا وقَبِل المشروع الذّي عرضناه عليه ، في ثلاث محطّات فاصلة .. البلديّات .. الولايات .. البرلمان ..

وبينما كنّا ننتظر مع شعبنا استلام السّلطة ، كما نصّ على ذلك الدّستور وفصّلته قوانين الجمهوريّة ، وجدنا أنفسنا بين عشيّة وضحَاها ، وبقوّة الحديد والنّار ، خارج اللّعبة السياسيّة .. فلا برلمان .. ولا حكومة .. ولا حزب .. ولا دار .. ولا دوار ..

وبقوّة الحديد والنّار، وتواطؤ الدّول العُظمى ، وتحت شعار حماية الدّيمقراطيّة والنّظام الجمهوري ، تربّعت على سدة الحكم ، الأقليّة القليلة المنهزمة في الانتخابات ، لتتحكّم في رقاب شعب لا يريدها ، وترهن مصير وطن بمساحة شبه قارّة ، كان مرشّحا ليتبوّأ مكانة رائدة على المستوى القارّي والعالمي ...

وبالانقلاب على إرادة الشّعب ، والتّنكر لنتائج الصّناديق الشّفافة ، والانتخابات التيّ شهدوا بعظمة لسانهم أنّها حرّة ونزيهة .. انهارت دولة القانون .. وانقطع حبل الثّقة بين الحاكم والمحكوم ، وعمّت الفوضى ، واختلط الحابل بالنّابل ، واصطدم الحقّ بالباطل ، ومُلِئت المخافر والسّجون والمحاشر .. وكان طبيعيّا أن تطغَى بعدها لغة الرّصاص والقنابل .. فكان النّهب والحرق والتّنكيل .. وكان المفقود والمقتول والقاتل ..

وكغيرنا من أبناء الشّعب المقهور المحقور ، التحقنا بالجبال مُكرَهين ، مُرغَمين غير مُخيَّرين ، دفاعا عن أنفسنا وأعراضنا ، وعلى ضوء ما جاء في كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا :

﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.

وانتصارا لشعبنا : ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ ..

وطاعة لربّنا : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ ..

ما هي المعطيات التّي جعلتكم تُحجِمون عن الخيّار العسكري والذّهاب للخيّار السّلمي؟

إنّ الحرب التّي أضرموها ، ودفعونا على إثرها قسرا إلى حمل السّلاح ، لم تكن مجرّد نزهة في الجبال ، أو تصوير فلم سنمائي هوليودي ، كما يُروّج بعض القاعدين المخلفين .. فقد واجهنا خلالها مصاعب وعقبات اعترضت سبيلنا ، وركبنا مخاطر وأهوالا هدّدت حياتنا ، وتحمّلنا فتنا هجمت علينا كقطع اللّيل المظلم ، ورغم ذلك كلّه ، حاولنا جهدنا ، وحرصنا ما استطعنا على الوقوف عند حدود الله ، والعمل بهدي رسول الله " انطلقوا باسم الله ، وبالله ، وعلى ملّة رسول الله ، ولا تقتلوا شيخا فانيّا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة ، وأصلحوا وأحسنوا ، إنّ الله يحبّ المحسنين " .

... وواصلنا السّير على نهج الحقّ المبين ، شهرا بعد شهر، وعاما بعد عام ، كان زادنا خلالها تقوى الله ، وعبادتنا القيّام والصّيام ، والذّكر على كلّ الأحوال ، وكان جهادنا أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، وردع ظالم ونُصرة مظلوم ... ثمّ فُوجِئنا بجماعة من المغالين المنبثّين ، خرجوا على الأمّة بفتاوى ضالّة مُضلِّلة ، وسلوكات مُنحرِفة ، ومواقف لا تمتّ إلى الإسلام بصلة .. تنكّروا للمشايخ والعلماء ، وفهموا خطأً مقاصد الفقهاء ، فاستباحوا حرُمات المسلمين ، وأباحوها بذلك لكلّ عدوٍّ متربّص لايؤمن بيوم الحساب ، وعاثوا في الأرض فسادًا ، وتحالفوا مع أعداء الأمّة من حيث يعلمون أو لايعلمون ، ومالوا عليها ميلة واحدة ، يقتلون النّاس ذبحا وتفجيرا ، ويأخذون أموالهم سلبا ونهبا ، ويعتدون عليهم تعذيبا وتنكيلا وتشريدا ..
وكان علينا لزاما ، أن نواجه الكلّ بمفردنا ، فتوكلنا على الله لانبالي بما يصيبنا ، حماية للشعب ودفاعا عن أنفسنا وأعراضنا ..
حتى إذا رأينا شحّا مُطاعا ، وهوى مُتّبعا ، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه ، وتحوّل النّهي عن المنكر إلى منكر أعظم ، والجهاد إلى اعتداء وانتهاك للحرمات ، وأصبح الخطر يتهدّد الدّين في قداسته و حقيقته ، والشّعب في وجوده و عرضه وكرامته ، والوطن في استقلاله ووحدته و سيّادته .. حصلت لدينا قناعة ، تؤكّد بأنّ الاستمرار في هذه الطّريق ، مع هذه المعطيات الجديدة وتداعيّاتها ، سيقبر الجهاد بأيدي أبنائه ، ويقصم ظهر الحركة الإسلاميّة ، ويشوّه صورة الإسلام لمدّة طويلة .. فكان لا بّد لنا من تفكير عميق ، واستخارة صادقة ، واستشارة جادّة ، بُغية إيجاد حلّ ينقذ الأمّة ، يفرّق النّاس بعده بين الحقّ والباطل ، ويميّزون الخبيث من الطّيب ، ويضع حدا للأهوال والكوارث ، التّي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس. ..
عنذئذ لجأنا إلى الله نستخيره ونستهديه ونستعين به ، فأمدنا كرما منه وتفضّلا ، بالشّجاعة اللاّزمة ، والغيرة الكاملة ، فأعلنا الموقف الحازم الحاسم ، وصدعنا بكلمة الحقّ و لم نخف في الله لومة لائم ، ووقفنا في وجه القريب قبل البعيد ، والصّديق قبل العدّو، وتصدّينا لكلّ خائن و مُنحرف و ظالم ، وفتحنا بابا للفرج كان مُقفلا ، وسِرنا على طريق السّلم والمصالحة والوئام ، متوكّلين على الله ربّ الأنام ، الذي قال في مُحكَم التّنزيل و سورة الأنفال ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ..

وبفضل الله وتوفيقه ، ثمّ صِدق الرّجال والرّجال ، وصبر الشّعب المكلوم ، الذّي تحمّل فاتورة الحرب والنّزال .. كان التّفاوض .. وكانت الهُدنة .. وكان الوئام .. فكان السّلام .

شاركتم في مؤتمر منتدى الوسطيّة الأخير في العاصمة الأردنيّة عمّان، ما هو تعليقكم عن المؤتمر وكيف ترون إسهاماته في خدمة قضايا الأمّة؟

بعد عودتي من المؤتمر ، سألني بعض الإخوة ، عن المنتدى ومن يشرف على إدارة شؤونه ، فكتبت هذه السطور : " لم أكن أعرف عن المنتدى العالمي للوسطيّة ، إلاّ القليل الذّي قرأته في الموقع الإلكتروني المتواضع .. ولأنّ العرب قالت قديما " ليس الخبر كالمُعاينة " ، فقد كان عليّ لزاما ، أن انتظر اليوم الموعود ، والمؤتمر المشهود ، والفرصة الثّمينة ، التّي أتاحها لنا ، الأخ الكريم والسيّد الفاضل ، الأستاذ مروان الفاعوري ، أحسن الله إليه وإلى جميع المُشرفين على المنتدى ، تأطيرا وتنظيما ورعاية وتموينا .. لأعرف الحقيقة من الخيال ، وأخبار اليقظة من أضغاث الأحلام .
ولم يطل بنا الإنتظار ، حتى حلّ موعد انعقاد المؤتمر ، وانتقلت إلى المملكة الأردنيّة الشقيقة ، التّي فتحت لنا ذراعيها ترحيبا واستقبالا ، وليس هذا بجديد عليهم ، فقد علم الناس ، أنّ الضيّافة عربيّة وأنّ الكرم عربي ..
وفي صبيحة اليوم الأوّل من أشغال المؤتمر ، تبيّن لي الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وقامت الحجّة دامغة ، بالبرهان السّاطع ، والدّليل القاطع ، قولا وعملا .. فقد اجتمعت كوكبة من رجال الدّعوة والفكر والإصلاح ، جاءوا من مختلف البلدان الإسلاميّة ، ليتدارسوا قضايا الأمّة وهمومها ، في جوّ أخوي مَهيب ، وبأسلوب حواري حضاري ، وطرح علمي مُمنهج ، ونبرة صريحة صادقة .. عندها قطعت الشّك باليقين ، وأدركت أنّ المنتدى العالمي للوسطيّة ، هو فضاء واسع رحب ، للحوار البناء ، والفكر الهادف ، والدّعوة الصادقة .. وأكثر من هذا ، فهو يفتح الباب واسعا ، أمام كل الخيّرين الغيورين من أبناء الأمّة ، مهما كانت مدارسهم وانتماءاتهم ، بشرط واحد ووحيد ، هو اعتماد المنهج الوسطي ، الذّي وصف به الله في كتابه ، خير أمّة أُخرجت للنّاس ..
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ ..

شاركتم في مؤتمر عن ( المرجعيّة الدينيّة بين التّقديس والتّهميش، المراجعات المطلوبة) برأيكم، ما هي المرجعيّة الحقيقية لأبناء الأمّة؟ وما هي سماتها؟

لا يخفى على المهتمّين بقضايا الأمّة الإسلاميّة ، أنّ المرجعيّة الدينيّة ، قد تعدّدت وتنوّعت ، بتعدّد وتنّوع المذاهب والفرق الإسلاميّة ، الأمر الذي أغرق الأمّة في صراعات داخليّة مُدمّرة ، صراعات ذهبت بوقار العلماء ، ونالت من هيبة الدّعاة والعقلاء ، وشكّكت في أغلب المصادروالنّصوص ، وسفّهت كثيرا من الفتاوى والأحكام ، وجعلت فئة كبيرة من الأجيال المتأخّرة ، لاتهتم كثيرا بما وصل إليها من التّراث الإسلامي الكبير ، بل تنظر إليه بشئ من الرّيبة واللاّمبلاة .. وأمّا الفئات الأخرى ، فإمّا تقدّسه وراثة بسبب تنشئتها الأسريّة ، أوتمجّده تمسّكا بهويتها واحتراما لتاريخها .. وقلّة قليلة ، أكرمها الله بالإيمان القوي والفهم الصحيح والوعي الكبير ، تحاول جاهدة ، أن تنهض بالأمّة من جديد ، وتعمل على ترجمة حقيقة الإسلام ، كما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلم ، أخلاقا وأقوالا وأفعالا ، في حياة الفرد والأسرة ، والمجتمع والدّولة .. لكن الجدل العقيم ، والخلافات المُفتعلة ، والصّراعات الخاطئة ، تقف حاجزا منيعا و عقبة كؤودا ، أمام الجهود المبذولة ، والتّضحيات المقدّمة ...

إنّ التّجارب المتراكمة ، التّي عاشتها ومرّت بها الأمّة الإسلاميّة ، بأفراحها وأتراحها ، بحُلوها ومُرّها ، بانتصاراتها وهزائمها ، تخاطبنا باللّسان الفصيح الصّريح قائلة :
أيّها المسلمون .. يامن تؤمنون بإله واحد لاتُشركون به شيئا ، وتقرؤون قرآنا واحدا لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وتتّبعون رسولا واحدا أجمع الأوّلون والآخرون على أمانته وصدقه ، وتصلون إلى قِبلة واحدة ، لاتختلفون عليها ، وتحجّون إلى بيت واحد ، تجتمعون فيه بلباس واحد ، وتلهج ألسنتكم بتلبيّة واحدة ، لافرق بينكم ولافضل إلاّ بالتّقوى ، الرّجل والمرأة ، الأبيض والأسود ، الأوروبي والإفريقي ، الأمريكي والآسيوي ، " فكلّكم لآدم وآدم من تراب " ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ..

أيّها المسلمون .. لن تنجحوا ولن تقوم لكم قائمة ، إلا بما نجح به محمّد صلى الله عليه وسلم وصحبه ، في تبليغ رسالة القرآن ، وإقامة دولة الإسلام .. وحدّوا مصادركم ولو في حدّها الأدنى ، واجتمِعوا على القواسم المشتركة بينكم ولوفي عددها القليل ، وحدّدوا الأهداف التّي تلّم شملَكم ، وتوحّد جهودكم ، ولو كانت هدفا واحدا وحيدا ..

ولقد سبق لي أنا العبد الضعيف ، وطرحت أسئلة ملحة ، في هذا الشّأن وقلت : عجبا لأمرنا نحن المسلمين ، كيف نقبل بمغالطات كبيرة في ديننا ولا نفعل شيئا لتصحيحها ؟ لماذا يسكت كبار العلماء ، ولاتتحرّك الجامعات والمجمّعات العلميّة منها والفقهيّة ؟ أين الكتاب ، أين الباحثون ، أين المحقّقون ؟َّ... هل يستقيم في رؤوس العقلاء من علمائنا ، عند أهل السّنة والجماعة مثلا ، بأن صحيح الإمام البخاري رحمه الله ، هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله ؟ وهم يعلمون جميعا ، أنّ كتاب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم ، أصح منه ، والمتفق عليه من الكتب الستة ، أصح منهما .. وهل يعقل أن يقول الشّيعة أنّ كتاب الكافي هو الأصحّ بعد كتاب الله ؟ وهل يقبل أن يقول الإباضيّة أنّ مسند ابن الربيع هو الكتاب الثّاني بعد القرآن ؟ وقِس على هذا ، وستجد لكلّ فرقة كتابها الصّحيح بعد الذّكر الحكيم ...

إنّ عمليّة توحيد المصادر وتحديدها ، تسهلّ عمليّة الفرز وانتخاب كبار العلماء ومعرفتهم ، والاثنان معا ، ونعني مصادر التّلقي وهيئة كبار العلماء ، سيمثّلون المرجعيّة العليا لكلّ المسلمين ، أينما كانوأ وحيثما وُجدوا ...

والآن تصوّروا معي ، مانستطيع فعله ، بوجود هذه الوسائل التّقنية الرّقميّة ، إذا وظفناها توظيفا مثاليا ، في جمع كلّ الكتب الصّحيحة ، بعد كتاب الله الذّي حفظه جلّ وعلا من أيّ تحريف ... بالتّأكيد سنتحصّل على ما يلى :

أ – المتّفق عليه من سنّة الرسول ﷺ عند كلّ المذاهب والفرق الإسلاميّة .

ب – المتّفق عليه من سنّة الرسول ﷺ عند أغلب المذاهب والفرق الإسلاميّة .

ج – المتّفق عليه من سنّة الرسول ﷺ عند أكبر المذاهب والفرق الإسلاميّة ، السنّة والشّيعة .

د – ثمّ يأتي المتّفق عليه من سنّة الرسول ﷺ عند أهل السّنة والجماعة ، وكذلك بالنّسبة لغيرهم .

وهكذا إلى أن نصل إلى كتاب الإمام البخاري رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته .

كما نستطيع أن نفعل بالمِثل لكتب تفسير القرآن ، وأيضا أمّهات كتب الفقه الإسلامي ، إلى أن نتحصّل على مختلف المصادر التّي تجتمع عليها الأمّة حسب التّرتيب .. ولا أشك أبدا أنّ مَجمَعا علميّا فقهيّا شرعيّا ، على هذا المستوى ، يضم في هيئته كلّ الطّوائف من كبار العلماء ، ويعتمد على المصادر المتّفق عليها ، يعجز أن يكون الموجه العام ، لكل المسلمين على اختلاف مذاهبهم وفرقهم ، أويعجزأن يقوم بدور الحكم بينهم عندما يختلفون .. هذا وللموضوع بقيّة ، نشرح فيها ونفصل ، وندلل فيها وناصل .. ستأتي إن شاء الله في أوانها .

هل القوّة أو السّلاح هو السبيل الأمثل لمعالجة قضايا الأمّة؟

لو أن الله العليّ القدير ، أراد لهذا الدّين أن ينتصر بقوّة السّلاح ، لكان قد اختار لتبليغ رسالته ، مقاتلا متمرسا شرسا ، وكلّفه بتكوين خلايا من المقاتلين الشّجعان ، ثم بناء جيش جرار عرمرم ، يفعل به ما فعل " جنكيز خان " ، يأخذ الأراضي ويحتلّ الأوطان ، ويَسبي الجواري ويسلب الأموال ، ويملك العالم بإبادة الإنسان .
.. لكن الرّحمن الرّحيم ، كان يريد هداية الخلق وصلاحهم ، حتّى يعيشوا في أمن وأمان ومحبّة وسلام .. فتوجه بنوره إلى عقول النّاس يضيئها ، وبالذكر إلى قلوبهم يطمئنها ، وبالتنزيل إلى أرواحهم يقويها .. واختار لهم الصّادق الأمين ، وزينه بخلُق عظيم ، وأرسل إليه الرّوح الأمين ، بكتاب عربي مُبين ، قال له في أوّل سورة نزلت :
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
.. فكان الإسلام رسالة الكلمة والقلم ، ودين العلم والأخلاق ، ودعوة الحقّ والهداية .. ثم أيّده الله بصحب يعرفهم ويعرفونه ، أمرهم بالسّمع والطّاعة لله ورسوله ، في المنشط والمكره وفي العسر واليسر ، وبالصّبر على البلاء وتحمّل الأذى ، فكانوا كالجبال الرّواسي في صبرهم وإيمانهم ، وخلال ثلاثة عشر سنة كاملة ، لم يرفعوا فيها سلاحا على أحد ، رغم الطغيان ومن طغى ، والظّلم ومن ظلم .. ومع ذلك ، أنزل الله قرآنا يُتلى إلى يوم القيّامة ، في حقّ بعض المشتكين والمحتجين منهم :
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾
.. فمن قال إذا ، أنّ السّلاح هوأحسن وسيلة ، لمعالجة قضايا الأمّة ؟ بل الحق كل الحق في الإسلام ، أن السلاح ، هو آخر وسيلة يلجأ إليها ، كالطّلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله ، والكيّ الذي هو آخر الدواء للعلاج ... هذا والله أعلى وأعلم .. بقي سؤالان مهمّان ، سأكتب ردا عليهما ، بمقال خاص ، في القادم من الأيّام إن شاء الله .. أمّا الحوار ، ففي الإجابات التّي كتبناها بركة ... تقبلّوا منّي أحلى تحية وأطيب سلام ، مع فائق التّقدير والاحترام ..
أخوكم ومُحبّكم ، مدني مزراق .