العراق منا ونحن منه

 كُتِب هذا البيان يوم الجمعة 25 محرم 1424هـ الموافق لـ 28 مارس 2003 م، ونُشِر في الصحف الوطنية.

                                            بسم الله الرحمن الرحيم

كم هو صعب على بني الإنسان ، أن يعيشوا وعلى المباشر ، حربا وحشية لا تبقي ولا تذر ، فيها من الدماء والجراح والدمار والخراب ، مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
وكم هو مؤلم للأحرار ، وهم يتفرجون على معارك ضارية ، يخوضها شعب ، ببلد قُدِّر له أن يكون هدفا استراتيجيا للصهيونية العالمية .
وكم يتعذب الشرفاء ، وهم يتابعون من بعيد ، مسلسلا بحلقات يومية ، يكتب بالصورة والصوت ، تاريخ أحداث استعمار جديد ، في أبشع مظاهر الظلم والسطو و التنكيل ، ضد شعب ، أبى إلا أن يعيش كريما ، أو يموت عزيزا .
.. غير أن عزاء الجميع كان عظيما ، وهم يشاهدون أشقاءنا العراقيين ، أصحاب الحق والأرض ، يقاومون الغزاة المحتلين ، بثبات راسخ ، وبطولة متناهية ، أدهشت مدبّري العدوان في قلاعهم الحصينة ، قبل منفذيه في الميدان ، وساحات القتال .
فما أعظم أن يعلو الحق ، ويزهق الباطل ، ويعم العدل ، وينحسر الظلم ، وينتصر المستضعفون ، وينكسر الجبابرة المعتدون .. ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾ .
وما أعظم أن تجتمع الشعوب عربا وعجما ن على كلمة سواء ، ضد العدوان الجائر ، والاستعمار الغاشم ، بعدما اقتنعوا أن العراق ، الذي قَبِل الاحتكام إلى الشرعية الدولية ، وفتح المجال واسعا للمجتمع الدولي ، ليعرف ما ظهر وما خفي ، وأبطل كل الحجج الواهية ، والادعاءات الباطلة ، التي غطّى بها المعتدون نواياهم الصهيونية .. وبات محسوما ، عند الغائب والحاضر ، والقاصي والدّاني ، أن العملية كلها هي سطو في وضح النهار ، مع سبق الإصرار والترصد ، على أرض العراق ، وما تحمله في بطنها ، أو على ظهرها من خيرات .

إن المواطن العربي ، يكاد يموت كمدا ، في ظل مواقف الذل والهوان ، والخزي والعار ، التي تقفها الأنظمة العربية ، وأضحى يحن إلى إيام رجال فقدهم .. فقد حنت السعودية ، إلى رجل كالملك فيصل يمنع البترول عن المعتدين ، وأصبحت مصر ، في أمسّ الحاجة إلى رجل كجمال عبد الناصر ، يعيد لها نخوتها ،  وأضحت جزائر الثورة والشهداء ثكلى ، تبكي فقيدها الراحل ، الرئيس هواري بومدين ..
فقد سكت صوت الجزائر ، ولا أحد يدعو إلى شيء اسمه جبهة الصمود والتصدي ، وتراجعت المواقف الحازمة ، والقرارات الفاصلة .. فأين هي جبهة التحرير الوطني ؟ وأين هو حق النصرة العربية ؟ وأين هو الدافع الديني والغيرة الاسلامية ؟ وأين هي المقولة الخالدة  : ” نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة “ ؟.
تبكي الجزائر دما ، على الجبهة الاسلامية للإنقاذ ، التي أقامت الدنيا أيام حرب الخليج الثانية ، فعبّأت الشعب الجزائري لصالح القضية ، وحركت الشارع بصورة مذهلة .. فقد نظمت المظاهرات ، وجمعت المساعدات ، واستنفرت المتعاطفين ، وأرسلت المتطوّعين  ..
ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهموبقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجرب
ولم يبق أمام الانظمة العربية ، إن كانت فيها بقية من نخوة ، لتحفظ ماء الوجه ، إلاّ الإسراع بالإعلان عن جبهة ، تضم المؤمنين بوجوب نصرة العراق ، تكون بمثابة النواة الصلبة للأمة العربية ، وتعمل على تجسيد برنامج استعجالي متعدّد الأبعاد :
  • سياسيا : بإصدار بيان صريح لا غموض فيه ، يجرمون فيه الدول الغازية ومن يُدعِّمها ، مع وصفها جميعا بالإرهابية ، لخروجها على الشرعية الدولية ، كما يجب عليهم ، إعلان دعمهم المطلق اللامشروط ، للعراق وطنا وشعبا وقيادة .
  • دبلوماسيا : ينتقلون دون كلل أو ملل ، رؤساء ووفود بين عواصم العالم ، يرافعون عن القضية ، ويشجعون الدول التي تقف موقفا إيجابيا ، على استعمال كل الوسائل لوقف العدوان .
  • إنسانيا : الشروع فورا ، في تقديم الدعم اللوجستيكي للعراقيين ، واستقبال الجرحى والمصابين في بلدانهم دون تردد .
  • إعلاميا : توعية الرأي العالمي ، بالخروقات القانونية التي يرتكبها المعتدون ، وكشف جرائمهم ، وفضح نواياهم الصهيونية ، وتعبئة الأمة ومن حولها العالم لصالح القضية .
  • اقتصاديا : باتخاذ موقف استراتيجي ، يقضي بتفضيل الدول التي وقفت ضد العدوان ، وعملت على إيقافه ، على غيرها في التعاملات الاقتصادية مستقبلا .
  • شعبيا : بفتح المجال أمام الاحزاب والمنظمات ، وتيسير الأمر لها ، على تجهيز المتطوعين وإرسالهم إلى العراق .. فالفرد المتطوّع نافع في مثل هذه الظروف ، سواء في القتال ، أو مع الدروع البشرية ، أو في الهيئات الطبية و الخدمات الإنسانية .
  • روحي ا: تشجيع العلماء وأئمة المساجد ورفع القيود عنهم ، ليشرحوا القضية للجماهير ، ويعملوا على شحن الأمة وتعبئتها ، في مواجهة التحديات ، وحث الجميع على الدعاء والتضرع لله العلي الفدير .. مع إزهار العناية الإهتمام ، بما يجري في الساحة العراقية ، « فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم » .
ونعتقد جازمين ، أن من شارك صادقا ، بأي شكل من الاشكال المذكورة آنفا ، يكون قد لبّى نداء العليّ القدير ، في قوله : ﴿ يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ﴾ .

وأمّا إخواننا في العراق ، فعليهم أن يضعوا نصب أعينهم ، قوله صلى الله عليه وسلم : " من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد ، ومن قُتِلَ دون عرضه فهو شهيد ، ومن قُتِلَ دون نفسه فهو شهيد " ، وأن ينقادوا لأمر الله تعالى ، فقد قال وهو أحسن القائلين : ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ﴾ .
فلا خيار لإخواننا المجاهدين في العراق ، ونحن جميعا معهم ، إلا القتال وصدّ العدوان ، والحفاظ على العراق حرّا مستقلا سيّدا .
وليس أمام قادة الإرهاب الدولي   والإجرام المقنن ، إلا التراجع خائبين ، والعودة من حيث أتوا .
اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ، اللهم احفظ إخواننا المجاهدين في العراق وفلسطين ، وفي كل مكان ، احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم  وعن شمائلهم ، ونعوذ بك ربنا ، أن يغتالوا من تحتهم .. آمين .. آمين .. آمين .
                                                                                                            مدني مزراق
الجمعة 25 محرم 1424هـ
28 مارس 2003 م