بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الافاضل .. لا يخفى عليكم ، أن أوقات الكتابة ، بالأسلوب السهل الجميل ، والأفكار الهادفة المرتبة ، والتعبير الفصيح المحكم ، قليلة جدا ، خاصة في آخر الزمان هذا ، الذي كثرت فيه المشاغل و المنغصات ، وازدادت فيه المعطلات و المثبطات ، وقلت فيه البركة ، وانقطع المدد أو كاد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ... ولأن الجواب على أسئلة الجماجم ، يحتاج مني إلى جد الجد ، وصدق الصدق ، وعزم العزم ، حتى أقدم صورة صحيحة كاملة ، عن الجزائر وشعبها وحكامها ، والمشروع المجتمعي الذي انتقل إلينا عبر الأجيال .. ولخصه العلماء في شعار ثلاثي ، لا غموض فيه ولا اختلال .. وخلده شهداء الثورة في هدف ، لا نقاش فيه ولا سؤال ...
شعار العلماء : الإسلام ديننا .. والعربية لغتنا .. والجزائر وطننا .
هدف الشهداء : بناء دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة ، دمقراطية واجتماعية ، ضمن إطار المبادئ الإسلامية .
ولأن الجواب يحتاج مني ، الرزانة والتعقل والروية وبعض الوقت ، رأيت أن أضع بين أيديكم ، المقال الثاني من المقترحات الدستورية التي قدمناها ، وأسأل الله ان تنفعكم .
مقال في الإصلاح السياسي ..
إن الخطوات الضرورية للإصلاح السياسي .. ثلاث :
- الفصل في نوعية نظام الحكم .
- إصلاح النّشاط السياسي الحزبي وتحيينه .
- إصلاح النظام الإنتخابي وتحيينه .
نظام الحكم ..
... لسنا من الذين يعتمدون الفرية والكذب وتزوير الحقائق ، ولا نقول بقولهم ، بأن لا وجود لدولة جزائرية منذ 1962م … لأنّنا ببساطة ، لا نقبل أبدا أن نحيا لقطاء ، مقطوعين من تاريخنا وتراكمات الأجيال المتعاقبة .. بل نحن حلقة في سلسلة متواصلة ، وثمرة لجهود سبقت ، وتضحيات قدّمت .. نعتزّ ونفتخر بالإنتماء لآبائنا وأجدادنا ، ونثمن إنجازاتهم ونبني فوقها ، ونصحّح أخطاءهم ونتجنّب الوقوع فيها ...
ولأن آباءنا الثوار ، اختاروا النظام الرّئاسي الثّوري للدولة الجزائرية الحديثة ، واختاروا ككل الدّول الوطنيّة في العالم ، نظاما سياسيا يعتمد على الحزب الواحد ، الذي هو حزب الرئيس .. فقد سارت الأمور بسهولة وانسجام سياسي كامل ، في العشرية الأولى بعد التصحيح الثوري ، ممّا سهّل على الدولة رغم الظروف الصعبة ، أن تقطع أشواطا كبيرة في حكم الرّئيس هواري بومدين رحمه الله تعالى ..
... ثم تواصل العمل على نفس المنوال ، في عهد الرّئيس الشاذلي بن جديد .. لكن غياب الشّخصيّة الشعبيّة الكاريزمية المؤثرة ، و تراجع تأثير الشّرعية الثّوريّة في الجيل الجديد ، بسبب الانحرافات والإشاعات الكاذبة ، مع عامل الزمن الذي فعل فعلته .. كل هذا ، جعل نظام الحكم يتزعزع من داخله ، في عهدة الشاذلي الثانيّة ، ويجرّه إلى إصلاحات تحت الضغط ، في العهدة الثالثة .. فكان الذي كان ، وإذا الجزائريون فريقان يختصمان .. فريق يرفع راية الإسلام ، ويدعو إلى تغيير القوانين التي وضعها الإنسان .. وفريق يرفع راية الحرية والديموقراطية ، ويدعو إلى محاربة الرجعية والأصولية .. وكان النقاش والتنافس بالإنتخابات أول الأمر ، ثم التناوش واستعراض القوة بالمسيرات والإعتصامات ثانيا ، ثم القهر والتشريد والصدام المسلح ثالثا ...
... ومع الأسف ، فلا دعاة الديموقراطية احترموا نتائج الإقتراع الحر ، ولا دعاة الحل الإسلامي وقفوا عند حدود الله .. فقد ركب كل فريق رأسه ، وذهبوا جميعا إلى أبعد مما كانوا يتصورون .. والنتيجة ماعشنا وشهدنا ، وما آلت إليه الجزائر نظاما وشعبا ووطنا .
ومع الأسف مرة أخرى .. فنحن نعيش اليوم حالة غير طبيعيّة ، بنظام سياسي هجين ، لا هو رئاسّي ، ولا هو شبه رئاسي ، ولا هو برلمانّي ، وحقيقته ، أن الكل مسؤول ، والكلّ غير مسؤول .. لذلك وجب علينا أن نفصل وبكل شجاعة ، في نوعية النظام الذي نحكم به بلادنا…
وإذا كان النظام الملكي ، مستبعدا تماما في بلد كالجزائر ، بسبب تاريخها الثوري ، وعقلية شعبها المتمرد .. فإن النظام البرلماني لا يخدمها ولا يخدم شعبها ، بل يهددها في وحدتها واستقرارها ، ويعطل عجلة التقدم فيها ، لسبب واضح بين .. ذلك أن النظام الحاكم ، يكون صورة طبق الأصل لحالة الأحزاب السياسية التي تنتجه ..
فإذا عرفنا ، أن الديمقراطية الشكلية التهريجية ، قد فجّرت الأحزاب ، وجعلتها شيعا وجماعات متناحرة .. ثم تأكدنا من فوضى الديمقراطية المعطلة ، التي شلّت هياكل الأحزاب ، وهمشت رجالها وقزمت زعماءها ، وعطلت العمل والنشاط فيها ، بسبب النفوس الصغيرة ، والعقول القاصرة ، والآفاق الضيقة .. استطعنا أن نتصور الحالة الكرنفالية ، التي ستسيطر على مجلس النواب ، والحلقة المفرغة ، التي سيجد رئيس الحكومة نفسه أسيرا فيها .. لذلك ، فإني أستبعد حاليا ، فكرة النظام البرلماني ..
ويبقى لدينا خياران .. نظام الحكم الرئاسي الكامل ، وشبه الرئاسي ...
نظام الحكم الرّئاسي الكامل :
... وهو النظام الأصلح لبلادنا ، والأقرب إلى نظام الحكم الإسلامي .. ويقتضي هذا النظام وجود نائبين للرئيس :
.. النائب الأول ، ويكون منتخبا مع الرئيس .
.. النائب الثاني ، ويكون معينا من قبل الرئيس .
مهام النائب الأول :
- يخلف الرئيس في كل مهامه بتكليف منه ما عدا المهام السيادية.
- يترأس مجلسا دوريا لرؤساء المجالس الولائية المنتخبة ، يتابع فيه معهم وتيرة تنفيد المشاريع في ولايتهم ، ومناقشة قضاياهم ، والإستماع لإنشغالاتهم ومقترحاتهم .
- يحضر مجلس الوزراء وجوبا ، ويحضر مجلس الحكومة اختيارا .
- يحلّ محل رئيس الجمهورية ، في حالة العجز بسبب المرض أو الوفاة ، ويكمل عهدته .. أمّا في حالة الإستقالة ، فيحل محل الرئيس لمدة تسعين يوما ، يسهرخلالها على استمرار تسير شؤون الدّولة ، وينظّم مع نهايتها انتخابات مسبقة لا يحق له الترشّح لها .
مهام النائب الثاني :
.. يعمل كمساعد ومستشار للرّئيس ، ويقوم بمهام رئيس الحكومة .
يجب أن يكون الرئيس هو المسؤول أمام الله ، وأمام الشعب ، وأمام البرلمان ، في كل ما يخصّ تطبيق البرنامج الذي انتخب على أساسه .
أمّا نائبا الرّئيس ، فهما مسؤولان أمام الرّئيس فقط ، لأنّهما ينفّذان قراراته وأوامره ، وله حقّ توقيف الأول وعزل الثاني ، بشروط يحدّدها القانون .
في حالة الضّرورة القصوى ، وخلوّ منصب نائب الرّئيس ، يحقّ للرّئيس أن يلجأ إلى البرلمان بحضور المجالس العليا والمجالس المحلية ، وأن يرشّح لمنصب نائب الرّئيس ، من يراه كفؤا لنيابته لينتخب من قبل الأعضاء المجتمعين .
نظام الحكم شبه الرّئاسي :
... وهو النظام الذي يميل إليه أغلب إطارات الدولة ، وأغلب الأحزاب المعتمدة .. غير أنّني أخالفهم الرّأي ، وأحذّر من أخطار هذا النّظام... لماذا ؟
الجواب ببساطة : إن الدولة ، لا تقبل رأسين ، ولايمكن أن تسيّر ببرنامجين مختلفين ، في آن واحد .
ومعلوم ، أن النّظام شبه الرّئاسي ، ينتخب فيه الرّئيس انتخابا مباشرا حرا ، على أساس برنامج واضح ، أي مايجب أن يطبّقه الرّئيس في عهدته .. كما أنّ أعضاء البرلمان ، ينتخبون على أساس برامج أحزابهم .. هذا يعني ، أنّ الاغلبية في البرلمان ستختار رئيس الحكومة ، وستطالبه بتطبيق برنامجها السّياسي ، وهنا مكمن الخطر .. فالرئيس سيعطّل برنامج الحكومة ، والحكومة ستعطل برنامج الرّئيس ، والمسؤولية ستتفرق بينهما ، والخاسر الأكبر هي الجزائر ، وشعب الجزائر.
وهنا أقول : إذا كان مفروضا على الدولة الجزائرية .. وأنا لا أسلّم بهذا .. أن تختار رغما عنها النّظام شبه الرّئاسي ، فعلى المشرّع أن يفعل المستحيل ، ليجد الآليات التي تجعل الأغلبيّية البرلمانيّة ، تكون دائما ، من عائلة الرّئيس السّياسيّة ، الامر الذي يحتم علينا ، أن نقنّن شرطين أساسيين في انتخاب الرّئيس :
- أن يفرض على المرشح لرئاسة الجمهورية ، الإجتهاد في إبرام تحالفات قبليّة ، مع شركاء سياسيين أقوياء ، يضمنون الأغلبيّة البرلمانيّة طوال عهدته الرّئاسية ، وفي هذه الحالة ، يجب أن يشارك هؤلاء الحلفاء في وضع برنامج الرّئيس ، حتى يتحمّلوا مسؤوليّة تطبيق البرنامج سويا ، ويحاسبوا عليها.
- سن القوانين الواضحة الصريحة ، التي تنظم التعاون والتعايش ، بين رئيس الجمهورية والحكومة المنبثقة عن الأغلبية البرلمانية المعارضة ، حتى نتجنب الصدام والجمود والتعطيل .
إصلاح العمل السياسي الحزبي وتحيينه ..
... يجب علينا ، قبل أن نتكلم في الإصلاح السّياسي الحزبي ، أن نعرف أوّلا معنى الحزب أو الحركة السّياسيّة .
إن الحزب السّياسي ، هو المؤسّسة الأساس ، في تكوين المناضلين السياسيين ، وإنتاج إطارات الدّولة ، وقيادات الأمة وزعمائها .. ولنفهم هذا أكثر ، نجيب على الأسئلة التالية :
- من هو رئيس الجمهوريّة ؟ .. هو مناضل سياسي جزائري ، تخرّج من مدرسة سياسيّة نضاليّة ، انتظم أعضاؤها في هيكل اسمه حزب .. س.. وهو المسؤول عن اختيار إطارات الدّولة و تعيينهم .
- من هو رئيس الحكومة ؟ .. هو مناضل سياسي جزائري ، مثل رئيس الجمهوريّة ، رشحه حزبه لتبؤ هذا المنصب .
- من هم الوزراء؟ .. هم مناضلون سياسيون ، فاز حزبهم في الانتخابات البرلمانيّة ، ورشحهم لتبوّء مناصبهم الوزاريّة .
- من هو رئيس البلدية؟ .. هو مناضل سياسي جزائري ، فاز حزبه في الانتخابات البلديّة ، ورشحه لتبوّء هذا المنصب .
وإذن .. نعرف مما سبق .. أن الحزب السياسي هو المدرسة الوطنية العليا ، لتكوين و تأهيل كل المسؤولين السياسيين في الدولة الجزائرية .
ومن هنا .. نعرف يقينا .. أن الحزب إذا احترم قواعد النضال الحقيقية ، وقام بالتكوين اللازم ، وأصرّ على ممارسة صلاحياته المخوّلة قانونا ، ولم يقبل المساومة عليها أو التنازل عنها ، سيكون حتما هو الحاكم ، وغيره من المؤسسات هي المحكومة ، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية .. وإذا حصل ووقع العكس ، وتدخلت المؤسسة العسكرية أو غيرها في شؤون السياسة .. فلأن الحزب أو الطبقة السياسية عموما ، تكون قد استقالت طواعيّة ، وتخلت عن القيام بدورها المحدد لها قانونا .. ولأن الطبيعة تكره الفراغ ، فلابد أن يملأ هذا الفراغ المؤسسة المؤهلة والأقوى .. والحمد لله ، أن في بلادنا الجزائر ، لا زالت مؤسستنا العسكرية ، تستطيع أن تغطي هذا العجز ، و تملأ هذا الفراغ لحد الآن .. وإذا بقيت الأحزاب على ضعفها وتخادلها ، وحصل ، لا سمح الله ، أن ضعفت المؤسسة العسكرية .. فإن الفراغ ، سيملؤه لوبيات المال ، وتجار المخدرات ، وامتدادات المخابرات العالمية ، ويومئذ لا يسعنا إلا أن نقول ، سلاما على الجزائر ومن فيها ، الله وحده من ينجينا وينجيها .
لهذه الأسباب ولغيرها ، وجب على المشرع أن يعيد النظر جدريا في قانون إنشاء الأحزاب ، ومنظومة التكوين السياسي ، بحيث يجعل عملية تكوين الحزب ، مهمة تخضع لشروط ، لا تسمح بإنتاج العبثية السياسية ، ودكاكين التهريج السياسي ..
.. ثم يخضع التنظيم المعتمد بعد ذلك ، للتنقل المرحلي ، من مجرد إطار سياسي صغير ، له الحق في النشاط السياسي وتكوين المناضلين ، إلى أن يصبح حزبا سياسيا مهيكلا هيكلة كاملة ، مؤهلا لدخول الانتخابات عبر التراب الوطني ... وقبل أن يبلغ هذه المرحلة ، يستطيع المشرع ، أن يشترط عليه الإنتماء إلى العائلة السياسية ، التي تقاسمه مشروع المجتمع الذي يدعو إليه .
وعليه .. فإن تقسيم الساحة السياسية إلى عائلات أو أقطاب ، مهم جدا ..لأن الحركة السياسية الناشئة ، يجب أن تمتحن في محيطها الصغير أولا ، ثم داخل عائلتها السياسية ثانيا ، ثم في الساحة الوطنية ثالثا وأخيرا …
وإذا أردنا أن نحدد العائلات السياسية ، الموجودة في الحقل السياسي الجزائري .. فإن نظرة سريعة في المشهد العام ، تسمح لنا بالوصول إلى الحقيقة التالية ، التي لا نختلف عليها :
- وجود تيار وطني كبير .
- وجود عائلة إسلامية واسعة .
- وجود قطب ديمقراطي معتبر .
و لأن ثلاثتهم ، يصرون على تمسكهم بالإسلام والوطنية والديمقراطية ، ولا يقبلون بالتنازل عن أحدها ، ويختلفون فقط ، في ترتيبها كمرجعية للعمل السياسي .. منهم من يقدم الإسلام ، ومنهم من يقدم الوطنية ، والآخرون يقدمون الديمقراطية .
وعلى هذا الأساس ، نستطيع أن نضع القوانين ، التي تدفع أبناء العائلة الواحدة ، إلى التحالف والتكتل تلقائيا ، في الإستحقاقات والمواقف المصيرية الكبرى ، وبهذا ، سينتج عندنا حتما مايلي :
- التيار الوطني الإسلامي الديمقراطي .
- العائلة الإسلامية الوطنية الديمقراطية .
- القطب الديمقراطي الوطني الإسلامي .
إن تجمع الأحزاب الصغيرة والحركات الناشئة ، تحت مظلة هذه العائلات الثلاث ، سيقوي العمل السياسي حتما ، وينظمه أكثر ويرفع من مستواه ، ويجعل من القوى السياسية المختلفة ، في صف الموالاة كانت أو في صف المعارضة ، شريكا حقيقيا ومسؤولا.
ولتحقيق ما سبق ذكره في الإصلاح السياسي ، لا بد من إعادة النظر كلية ، في النظام الإنتخابي ...
إصلاح وتحيين النظام الإنتخابي :
- إعادة النظر في الهيئات المنظمة والمشرفة على العملية الإنتخابية .
- إعادة النظر في تقسيم الدوائر الإنتخابية ، بحيث يتناسب عدد السكان مع الدوائر الإنتخابية .
- إعادة النظر في النمط الإنتخابي ، واستحداث النمط الإنتاخابي الشامل ، الذي تطبق فيه الأنماط الثلاثة في وقت واحد .. القائمة الفردية ، القائمة الولائية ، القائمة الوطنية .
وإذا كان من السهل علينا ، إنشاء هيئة إدارية فنية سياسية مستقلة ، تشرف على تنظيم الإنتخابات بكل سيادة .. وذلك بالتوافق التام ، بين السلطة والشركاء السياسيين .. فإن عملية تقسيم الدوائر ، بالكيفية المطلوبة لتحقيق العدل ، هي عملية أسهل وأيسر .. ويبقى النمط الإنتخابي المطلوب ، هو ما يحتاج إلى توضيح وتفصيل ...
فنقول ، وبالله التوفيق ..
لقد اعتمدت السلطة نمط القائمة الفردية ، في الانتخابات البرلمانية سنة 1991م ، وتفاجأت بالنتيجة التي جاءت عكس ما خططت له السلطة ، إذ أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ :
.. حصلت في الدور الأول على 188 مقعدا ، بمجموع 3260222 صوت.
.. وحصلت جبهة التحرير الوطني على 15 مقعدا بمجموع 1612947 صوت .
.. وجبهة القوى الإشتراكية حصلت على 25 مقعدا بمجموع 510661 صوت .
وقد بينت النتائج ، أن نظام القائمة الفردية ليس نمطا إنتخابيا عادلا ، وإلا كيف حصلت كل هذه التباينات في النتائج .. وهو السبب الذي دفع بالسلطة ، إلى اختيار النمط الإنتخابي الثاني ، وهي القائمة الانتخابية الولائية ، التي بقيت تعتمد إلى اليوم .
غير إنه ومع الأسف ، قد تبين مع الوقت ، أن عيوب القائمة الانتخابية الولائية ، أخطر من القائمة الفردية ، إذ أنها تفرز منتخبين لا يستحقون مكانتهم ، بل يشترونها في الغالب الأعم ، بالمال والتدخلات والضغوطات .. والأخطر من ذلك ، أن الأحزاب تحولت من مدارس نضالية ، تعتمد الفرز الطبيعي لرجالها ، إلى أحزاب تعتمد المساومات والبزنسة في ترتيب قوائمها .
والنتجية في النهاية ، لا الحزب قدم رجاله الحقيقيين ، ولا الشعب انتخب من يريد .
... لذلك ، فإن النظام الانتخابي الذي تعتمد فيه دفعة واحدة ، القائمة الفردية والقائمة الولائية والقائمة الوطنية ، وبدور واحد فقط ، هو النظام الوحيد ، الذي يسحب كل أوراق الضغط والمساومة من أيدي أصحابها ، ويكون هذا كالآتي :
- تنظم الانتخابات على أساس النمط الإنتخابي بالقائمة الفردية ، الأمر الذي سيجبر كل الأحزاب ، على اختيار الرجال الأكفاء ذوي السمعة الطيبة ، طمعا في كسب أصوات الناخبين .
- كل من تحصل على %60 وأكثر ، يظفر بمقعده مباشرة ، إذ أنه يجوز للثلثين أن يحكموا الثلث .
- بعد فرز الاصوات وظهور النتائج ، وبعد إخراج الناجحين من القوائم ، ترتب الأسماء المتبقية في القوائم الولائية .. آليا ، عن طريق الكمبيوتر .. حسب ما أفرزته الصناديق ، بعيدا عن حسابات الأحزاب وتدخلات الإدارة ، والأول هو الأكثر عددا ثم الذي يليه .
- بعد إخراج الناجحين بالقوائم الولائية ، ترتب الأسماء المتبقية في قوائم وطنية ، حسب الأصوات المتبقية لكل حزب ، ثم توزع المقاعد حسب نظام القوائم المعمول به ...
وبهذا لن يضيع أي صوت ، ولن تذهب مجهودات المناضلين سدى .. كما أن الفائز ، ينجح فعلا بقدرته على التعبئة ، وعلى إقناع الكتلة الناخبة .. وعندها ، تنتهي الحرب الضروس ، التي تدور رحاها بين قيادات الأحزاب في ترتيب القوائم ، وتختفي تدخلات الولاة والمسؤلين كليا ... والله ولي التوفيق ، والهادي إلى سواء السبيل .
... هذا مقترح ، قدمناه ضمن مجموعة المقترحات ، التي شاركنا بها في المشاورات الدستورية ، سنة 2014م ... ننشره اليوم ، ولأول مرة .
الأربعاء 9 سبتمبر 2020 م
الموافق لـ 21 محرم 1442 هـ
مدني مزراق