بين يدي رسالة إلى الشيخين

نُشر هذا المقال في أواخر سنة 2003م.

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. آمين.

هذه الرسالة.. حجة للثابتين الأوفياء من أبناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذين التزموا بمنهج الأنبياء والرسل سواء في قتالهم، أو في سجونهم أو في منفاهم، فلم يزعزع الخوف عقيدتهم، ولا غيّر القهر مبادئهم، أو أفسدت الاطماع سلوكهم.

وهي حجّة على الذين امتلك الجبنُ قلوبهم، وأفسد الطمعُ عقولهم، فوأدوا الجبهة في مرحلة ظنّوا فيها أن لا صوت يعلو فوق صوت ’الجيا‘، ونسوا  ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾

وفي هذه الرسالة ،أدلة دامغة ندعم بها إخوانا لنا، أتعبوا أنفسهم في تقديم مبررات، على صفحات الجرائد، تثبت أن لا علاقة لهم بالجيش الإسلامي للإنقاذ.

وفيها أيضا ، تأكيد منّا على التجاوزات الخطيرة ،التي اقترفتها بعضٌ من فرق قوات الأمن والمليشيات، من اختطاف وتعذيب وتقتيل لابناء الشعب الأعزل، تنفيذا لمقولة: ”يجب على الرعب أن يغير موقعه،“ موازاة مع الانفجارات التي ينفذها مجرموا ’الجيا‘ في التجمعات السكنية والاعتداء على الأبرياء من أبناء هذا الشعب – طبعا كان ذلك في سنوات 1994، 1995، 1996.

أما المجازر الخطيرة التي وقعت في سنوات 1997، 1998 … ونقصد خاصة مجازر الرايس، بن طلحة، الرمكة، فلله نشهد أن المعلومات التي وصلتنا عن طريق المخلصين لنا في هذه المناطق، أو التي تحصلنا عليها من الأفراد الذين تركوا الجماعة بعد تلك الحوادث، تؤكد أن المنفّذ هو الجماعة المنحرفة. ولكن في النفس شيء أكبر من الشك حول طرف خفي ينفعه تعفن الوضع، ويضرّ به السّلم، وتقضي على أطماعه المصالحة.

ومن حقّنا أن نتعلّم من الاستئصاليين أساليب توجيه التهم وفق المعايير التي وضعوها، وعملوا بها في تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الرّاحل ’محمد بوضياف.‘

إذ أنهم لما عجزوا عن الوصول إلى حقيقة من يقف وراء الجاني المنفّذ، طرحوا السؤال: ”من المستفيد من قتل الرئيس؟“ فخلصوا إلى الجواب الذي يريدونه، وذلك بتحميل الجبهة الإسلامية للإنقاذ مسؤولية الحادث. فنحن بدورنا إذن نطرح السؤال فنقول: ”من المستفيد من تقتيل فئات من الشعب أثبتت تأييدها للحل الإسلامي، وولاءها للجبهة الاسلامية للإنقاذ؟“

والجواب بداهة، هو هذا التيار الاستئصالي الذي عرّفناه في الرسالة التي كتبناها يوم 21 جويلية 1995 إلى الشيخين عباسي مدني، وعلي بلحاج، عجل الله بإطلاق سراحهما.

وعليه فإن عفوا شاملا يُستثنى منه كل من ثبت في حقّه ارتكاب مجازر ضد الأطفال، والنّساء، والشيوخ، من اي جهة كان، يبقى هذا العفو مفتاح الحل النهائي لكل قضايا الأزمة العالقة، ومغلاقا لكلّ الأبواب في وجه دعاة التدخل الأجنبي.

تنبيه: ذكرنا في هذه الرسالة زعيم المركزية النقابية سابقا، ضمن المجموعة الاستئصالية بناءً على موقفين خطيرين، حرَم بهما الشعب الجزائري من أن ينعم بالأمن، والإستقرار، والمصالحة:

أولا: رئاسته للجنة ’إنقاذ الجزائر‘ التي أوجدت الغطاء السياسي لمن قرّروا إيقاف المسار الانتخابي، وزجّوا بالجزائر في بحر من الدّماء.

ثانيا: صرخته في جوان 1995 عبر صفحات جريدة ’le Matin‘ مهدّدا بإضراب شامل قبل 05 جويلية، رافضا لأي مصالحة مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ، مصرّا على أن يتحاسب بالدم مع قادتها، مفوتا بذلك فرصة عظيمة لو ثُمنت لجنّبت البلاد والعباد ما وقع بعد ذلك من خراب، وسفك للدّماء، و زيادة في الجراح.

أمّا وقد أفضى العبد إلى ربه، فإنّنا نعتذر لأهله وذويه، فلربما أدمت هذه الرسالة جراحهم، ولكنه التاريخ يشهد لك أو عليك.

﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾

نور الدين (مدني) مزراق

اقرأ : رسالة إلى الشيخين.