رسالة إلى الشيخ سحنون

أُرسِلت هذه الرسالة إلى الشيخ سحنون رحمه الله يوم 20 ربيع الأول 1416 هـ ، أوت 1995 م

بسم الله الرحمن الرحيم

الجبهة الإسلامية للإنقاذ / الجيش الإسلامي للإنقاذ

إلى الأب الكريم ، والعالم الفاضل ، والشيخ الوقور ، أحمد سحنون. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد:

فإننا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أنزل القرآن ويسّره للذّكر، وجعل قلوب العلماء من عباده أوعية له، واستحفظهم ما جاء فيه، وأوجب عليهم تبليغه وتبيينه للنّاس، ونصّبهم موجّهين لعباده، حكّاما بينهم، شهداء عليهم، وفرض عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوكل إليهم حفظ حدود الله، فبوّأ العاملين الربانيين منهم المنازل الأسمى، والفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وألجم الساكتين عن الحق، المتملّصين من دورهم الرّبّاني، المنسلخين من آيات الله بلجم من نار يوم القيامة، أعاذ الله أولياءه من هذا المآل.

شيخنا الفاضل الوقور:

ما كان ينبغي لنا أن نشوّش عليك خلوتك مع ربّك، وانقطاعك إليه، ونحمّلك هذا العبء الثقيل الذي يضاف إلى أعباء عظام وتبعات جسام، أثقلت كاهلك، وشغلت فكرك ووجدانك وملكت عليك قلبك ولبّك منذ ما ينيف عن نصف قرن من الزمان.

ما كان ينبغي لنا ذلك، لولا أنّ الخطب عظيم، والمنعرج خطير، والمصاب جلل، والمشكل معقد عويص، لا يقدر عليه، ولا ينبري له إلا أولوا الأحلام والنهى، والرّاسخون في العلم، والمجاهدون الأوّلون السابقون في نصرة الدّين، المخلصون لله، الرّحماء بعياله، الذين لا يريدون علوّا ولا فسادا في أرضه.

شيخنا الفاضل الوقور:

لا بأس .. أن نخبرك أننا قد أصدرنا بيانا، وضّحنا فيه طبيعة الأزمة، وكشفنا خيوط المؤامرة، وها نحن ندعوك ثانية لتفحّصه، وإمعان النّظر وإشغال الفكر فيه، قبل أن تحدد موقفك وترى رأيك في طلبنا الذي سنضعه بين يديك في أعقاب هذه الرسالة. وها نحن نضعك في الصورة ، ونعرفك بطبيعة المؤامرة الكبرى التي تستهدف الجزائر وطنا ودينا وشعبا ولغة، كما عرّفناها للشيخين عباسي مدني و علي بلحاج في رسالة أخيرة:

” إن المؤامرة التي تحاك ضدّ الإسلام والمسلمين، والأوطان الإسلامية مؤامرة عالمية، يديرها بإحكام يهود ماكرون، بتواطؤ صليبيين حاقدين، وتنفيذ عملاء ممسوخين.

إنّ هذه الخطّة المدمّرة تركز بنودها الأساسية على إضعاف القدرات الإقتصادية والعسكرية لأوطان إسلامية معيّنة، وإذلال و إهانة ومسخ شعوب إسلامية محددة، معروفة بكبريائها وشرفها وروحها الجهادية، وعلى رأس هذه الأوطان والشّعوب، الجزائر وشعبها.

وإن التيار الإستئصالي الذي يتكوّن من ضبّاط سامين في الجيش وجحافل من الموظفين تحتل المراكز الحساسة في الإدارات المركزية، ولوبي إعلامي خطير، ألقى بظلاله على كل الساحة الإعلامية تقريبا، وأحزاب سياسية معروفة بعدائها لأي تسوية تفرح الشعب الجزائري، وجمعيات نسوية ومهنية ونقابية، وعلى رأسهم زعيم المركزية النقابية، هؤلاء جميعا الذين يشكلون بحق حزب فرنسا.

إن العناصر التي تكوّن النواة الصلبة لهذا التيار، هي المسؤولة عن التقتيل الجماعي للشعب، الذي تنفذه بعض الفرق من قوّات الأمن والميلشيات، وهي التي تقف وراءه ووراء التجاوزات التي يرتكبها المجرمون والحمقى والمغفّلون من أفراد الجماعات الجهادية المنحرفة، وذلك عن طريق عناصرها المتسللة إلى صفوف هذه الجماعات، التي يسهل اختراقها لانعدام التنظيم، وقلة وعي أفرادها، وشغفهم بامتلاك السّلاح، وإكبارهم لمن يستطيع أن يضع بين أيديهم قطعة سلاح واحدة! فما بالكم بمن يحمل إليهم عددا لا بأس به؟! وإن عناصر الإستئصاليين لتفعل هذا، والأدلة كثيرة، وسوف نكشف لكم عنها حين تحين الفرصة.

إن هذا التيار هو الذي يعمل، جاهدا، بكل ما لديه من قوة وتأثير على جميع المستويات لنسف أيّ مشروع محتمل، يُفترض فيه تسهيل التقارب بين ابناء الجزائر البررة، في مختلف مواقعهم، في داخل النظام أو في الأحزاب السّياسية، أو المقاتلين في سبيل الله.“

بناء على كل ما سبق، فإنه قد أصبح واضحا للعيان، أن الكلمة الربّانية القوية ، قد آن أوانها وحان حينها، كيف لا، وقد تكلّم النافخون في رماد الفتن وما سكتوا، وأرغى دعاة الحرب بين أبناء الشعب الواحد ودقّوا طبولها وما ارعووا، وأزبد الخائرون الجبناء وما هدأوا!

نعم .. لقد آن لصوت الحقّ أن يُرفع، ولأنواره أن تسطع، وللمؤذّن به والدّاعي إليه أن يسمع، وإنّك لأحقّ بها وأهلها، فكن رافع راية الحقّ، والمسرج لأنواره، والمؤذن الهادي والداعي الرشيد.

شيخنا الفاضل الوقور:

إن تحركك اتجاه الأزمة التي تستفحل يوما بعد يوم، صار ضرورة ملحّة ينشدها الجميع، لهذا نشجّعك على قبول ما يُعرض عليك من قبل السلطة، والذي ربّما يكون في الأيّام القليلة القادمة إن شاء الله. هذا العرض المتمثل في زيارة الشيوخ والتحدث معهم، وتقريب وجهات النظر بينهم وبين الطرف الآخر، بغرض الوصول إلى حل شرعي عادل، يعيد للدّين مكانته، وللشعب حقه، وللوطن أمنه واستقراره، وإنّك لن تلقى من أبنائك المجاهدين إلا البر والصدق والتصديق، وإننا نعدك، شيخنا الفاضل الوقور، أنه في حالة ظهورك بالموقف المنتظر، ستجدنا درعا قويا وسندا متينا، وأبناء بررة، يوقّعون بالدّم من أجل تحقيق طموحات علمائهم وصالحيهم الرّبانية الصّادقة.

أخيرا، لم يبق لنا إلا أن نودّعك، راجين منك صالح الدّعاء، على أمل الاهتداء والاقتداء بتوجيهاتك الرّبانية القيمة، في جوابك على رسالتنا، والذي ننتظره على أحرّ من جمر.

حفظك الله ورعاك. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ

الشيخ مدني مزراق

20 ربيع الأول 1416 هـ