حوار

بسم الله الرحمن الرحيم

لا زلنا نُصرّ على التذكير ببعض المواقف، حتى يعلم الناس أننا كنّا دوما في الموعد، ولم نأخر البيان أبدا عند الحاجة .. وإذا كنّا قد صبرنا وصبّرنا كلّ الذّين يستمعون إلى رأينا ويقّدرون مواقفنا .. فلأنّنا نؤمن أنّ الفرج مع الصبر .. وعلى الذين يصرّون على سدّ المنافذ في وجوهنا ومنعنا من العودة إلى العمل السياسي في إطار الشرعية .. عليهم أن يعلموا أنّ للصبر حدودا، وللجنون قيودا..
نُشر هذا الحوار في موقع كل شيء عن الجزائر، بتاريخ 3 جويلية 2011. وأُعيد نشره هنا في 10 جانفي 2012.

لم يظهر القياديون في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة خلال المشاورات السياسية، التي فتحتها السلطة، ستردون أنكم لم تستدعون إليها، لا أنتم المشكلون للجناح المسلح المحل ولا القيادات السياسة المتواجدة في الداخل والخارج،

سؤالي، لماذا لم تقدموا تصوراتكم في شكل مقترحات، كما حصل مع شخصيات وطنية لم تحضر أشغال الندوة وقاطعتها حتى؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد ..

إن المشاورات التي تتكلم عنها، ولدت ميتة ، بل نسفت قبل أن تبدأ، كيف لا، وأنتم جميعا سمعتم ملء آذانكم، التصريح الرسمي الذي فتح به رئيس لجنة المشاورات أول جلسة خرج فيها على الشعب الجزائري، والذي أكّد من خلاله أن الأبواب مفتوحة للجميع ، باستثناء الذين أقصاهم الشعب بسبب دعوتهم إلى العنف أو المشاركة فيه، وكان واضحا أنه قصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومن لفّ لفّها.

مع العلم ، أن الشعب الجزائري ومنذ الاستقلال، لم تعط له الحرية ليقدم حكما على الطبقة السياسية إلا سنة 90/91. وهي الانتخابات الوحيدة الحرة والنزيهة التي جرت في شفافية تامة، مما سمح للشعب الجزائري السيد أن يقدم جائزة الفوز لمن أحبهم ورضي بهم، ويشهر البطاقة الصفراء في وجه أبناءه المتهاونين في خدمة شعبهم المتقاعسين في أداء واجبهم تجاه وطنهم، وأخرج و بالبطاقة الحمراء أصحاب المشاريع المشبوهة التي لا تمد بصلة إلى الشعب الجزائري ودينه وتاريخه بل تخدم أعداء الأمس واليوم، فرنسا الصهيونية وعملاءها.

وإلى أن يثبت العكس، في انتخابات حرة ونزيهة أخرى، نسال الله أن تكون قريبة وليست بعيدة، ستبقى الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي الحزب الوحيد الذي زكّاه الشعب بالأغلبية الساحقة عن طواعية ورضى، إلى جانب جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد الحميد مهري، وجبهة القوى الاشتراكية بقيادة حسين آيت أحمد، اللتين تلقّتا بطاقتين صفراويتين لوما وعتابا واحتجاجا على الانحرافات التي ظهرت في مساريهما...

الأولى.. بتنكرها عمليّا لبيان أول نوفمبر الخالد، وقبولها البقاء كأداة في يد النظام، بدل أن تكون حزبا فاعلا وفعّالا في خدمة الدولة.. شعبا ووطنا وسلطة.

والثانية.. لابتعادها عن حظيرة المجموعة الوطنية وتموقعها جهويا وعرقيا.

أما الذين يشرفون على هذه الاستشارات وسمحوا لأنفسهم وبكل وقاحة أن يهمشوا الجبهة الاسلامية للإنقاذ ومن سار في ركبها .. فقد شهد العالم أجمع ، كيف عاقبهم الشعب الجزائري ووضعهم جميعا خارج اللعبة السياسية بسلطان النتخابات ، يوم طبّقت الديمقراطية حقا وصدقا، مما دفعهم إلى الجنون، ففكروا وقدّروا ودبّروا، وانتهى بهم الأمر إلى تنفيذ العملية الانقلابية ضد إرادة الشعب السيد، وكان الذي كان وبقية الحكاية يعرفها الجميع من أبناء الإنس والجان...

أما بالنسبة للمقترحات، فقد سبق لنا وأن كتبنا رسالة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وجهناها إليه عن طريق جهة رسمية يوم 11 فيفري 2011، ثم وزعناها على الصحف في الفاتح من مارس 2011.

الربيع العربي، والأحداث التابعة لها أعاد عدة حركات إلى الواجهة، من المعارضة بعدما كانت ممنوعة من الظهور، أو مضيق عليها، كحركة النهضة في تونس، حركات المعارضة في مصر، الإسلاميون في تركيا، أما في الجزائر، لم يسمع صوت الفيس المحل، هل تخليتم على مشروعكم السياسي؟

لقد سبق ودفع الشعب الجزائري الثمن غاليا إبان المقاومات التحررية التي خاضها وختمها بثورة نوفمبر المباركة.. تجندٌ ونضال وجهاد وتضحيات جسام، فرضت على فرنسا الاستعمارية أن تجمع قوتها لمواجهة الوضع في الجزائر، وهو الشيء الذي حتّم عليها أن تتخلى عن سيطرتها في أماكن أخرى مما سهل الأمر على كل الحركات التحررية رغم ضعفها أن تنال استقلالها مبكرا.

والتاريخ يعيد نفسه اليوم.. فالشعوب التي تتكلم عنها يا أخي مع حبّنا لها واحترامنا، وتقديرنا لتضحياتها، كانت ومنذ سنوات طويلة تغط في نوم عميق، لا تقرّ معروفا أو تنكر منكرا، في الوقت الذي كان فيه الشعب الجزائري يقاسي الأمرين في صراعه ضد الاستبداد والطغيان ودعاة التغريب ومسخ الهوية، الذين استأسدوا بفعل الحماية والدعم الكبيرين اللذين كانت توفرهما لهم القوى الاستعمارية الكبرى.

وإذا كانت الشعوب التي تتحدث عنها، لاتزال في بداية المشوار الذي انطلق فيه الشعب الجزائري منذ منتصف الثمانينات، فسيكون من السفاهة والحماقة أن نركب الموجة ، ونعمل بمبدأ ما يطلبه المستمعون، ونعود بشعبنا ووطننا إلى نقطة الصفر التي انطلقنا منها.

بل الواجب والمسؤولية والعقل .. يفرضون علينا، أن نستشير ونستخير ولا نستعجل، ونبحث عن الطريق الأمثل والرأي الأصوب للاستفادة مما سبق، وتثمين ما بُذل من جهود وإحداث القفزة النوعية التي تسمح للبلاد أن تدخل عهدا جديدا ملؤه الود والإخاء ، والحق والعدل والاستقلال والسيادة والعزة والكرامة، وما ذلك على الله بعزيز، إذا تضافرت جهود الخيرين، ومضوا صفا واحدا في طريق التغيير الصحيح، الذي يثبت الحق لأصحابه ويعيد الوطن لأهله، وكما قيل: ما ضاع حق وراءه طالب.

توصلتم لاتفاق مع السلطة في 1997 ، وتخليتم عن العمل المسلح، في إطار تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، واستفدتم من عفو شامل، وتمارسون حقوقكم المدنية والسياسية بطريقة عادية،

بالمقابل، لم تتلقوا ردا على اعتماد حزبكم ؟ كيف تفسرون ذالك، وهناك من يقول في الكواليس، أن طلب اعتماد حزبكم حرم آخرين من الحصول على اعتماد، بمعنى، أنكم شوكة في حلق السلطة لو منحت الاعتماد للأحزاب ستمنحها كلها أو تتركها كلها، ما تعليقكم؟

رغم أن المرسوم الرئاسي الخاص الذي أصدره رئيس الجمهورية على إثر اتفاق رسمي بين الجيش الإسلامي للإنقاذ، وقادة الدولة الجزائرية والذي يقضي بتمتّع جميع أفراد التنظيم بحقوقهم المدنية والسياسية، فإن النظام لا زال يماطل ويناور في تنفيذ الاتفاق المبرم، والوفاء بالعهد المأخوذ ، وأداء الأمانة.

أما بخصوص الحزب ، فلم يسبق أن قدّمنا أوراق الاعتماد لأي كان، وعندما نقرّر فعل ذلك، سنناضل بكل الوسائل المشروعة لافتكاكه، ذلك لأننا نحمل مشروعا نضاليا لا يتوقف على ترخيص أو موافقة أي جهة، والموافقة الوحيدة التي تلزمنا بعد الله ، هي تلك التي يعطيها لنا الشعب باحتضانه والتفافه حول المشروع الذي نؤمن به، ويرحم الله العربي بن مهيدي الذي قال "ألقوا الثورة في وسط الشعب وهو يحتضنها".

نعم، نحن شوكة في حلق التيار الاستئصالي التغريبي، الذي يسيطر على كثير من المواقع الحساسة في نظام الحكم والذي لا يمكن أن يبقى فيها إلا عن طريق الاستبداد وقوة الحديد والنار لأنه يعلم يقينا، ولا أشك قيد أنملة ، أن الشعب الجزائري وفي أول فرصة تتاح له ليقول كلمته بكل حرية ونزاهة، سيكنس التيار المذكور من الساحة السياسية ليفسح المجال واسعا أمام أبناء الشعب الصادقين في كل ربوع وطننا الكبير.

هناك من يتهمكم بالانفراد بالمبادرات السياسية دون إشراك شيوخ الفيس، ما ردكم؟

يتّهمنا الأدعياء والمرضى الذين لا يحسنون إلّا تلفيق التهم وترويج الإشاعات، وصناعة الأكاذيب، أما نحن فلم نُقص أحدا ولن نقصي أحدا، ولا يحق لنا فعل ذلك. لا مع الإسلاميين ولا مع غير الإسلاميين، لأننا نرى أن الجزائر لجميع الجزائريين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، والقاعدة في التعامل معهم هو ما قاله الداعية الحكيم "نعمل فيما اتفقنا فيه وهو كثير، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه وهو قليل"،

أما مبدأنا في تقدير المصالح فهو كالتالي: مصلحة الدين والقيم والثوابت قبل مصلحة الدولة بمنظور الحكم إذا اختلفا.. ومصلحة الدولة قبل مصلحة الحزب إذا اصطدما.. ومصلحة الحزب قبل مصلحة الفرد إذا لم يتّفقا .. والفرد حر في إبداء رأيه، والدفاع عنه، لكنه ملزم برأي الأغلبية إن اجتمعت عليه.. ونسال الله عز وجل أن يجمعنا مع كل صادق وخيّر على خدمة الدين والوطن والشعب.

هل تملكون جواز سفر وتتنقلون إلى الخارج بحرية؟

أظنكم شاهدتموني على شاشات الجزيرة والعربية من الدوحة ودبي مما يعني أني أملك جواز سفر، وكل الإخوان في الجيش الإسلامي للإنقاذ لهم الحق في امتلاك جواز السفر، وهناك عدد لا بأس به يشتغل في بلدان عربية وأوربية.

هل تلقيتم تهديدات بعد تخليكم عن العمل المسلح؟

إذا كنت تقصد أعداء الله وأعداء الوطن في هذا الطرف أو ذاك فهم يتربصون بنا وبغيرنا في كل وقت، ونسال الله أن يخزيهم ويجعل كيدهم في نحورهم.

وإذا كنت تقصد أن هناك من توجه بالتهديد مباشرة من قبل الدولة أو الجماعات، فهذا لم يحصل، وإذا حصل لا سمح الله ولا قدّر فأظن أن الذي يحدث نفسه بتهديدنا يعلم أننا نستطيع تهديده أيضا. ونسال الله العفو والعافية لنا ولكل المسلمين في الدنيا والآخرة.

وزير العدل وعد بالنظر في قضية السجين محمد غربي الذي اغتال العنصر النشط في جماعتكم علي مراد؟ هل انتم مع الإجراء القضائي؟

رغم أن الظلم كان صارخا، والاعتداء على أخينا الشيخ علي مراد، كان جهارا نهارا، والقاتل فعل فعلته بكل حقد وبرودة دم، فإننا لم نحاول استغلال الحادثة لزعزعة الأوضاع، وتهديد الاستقرار، الذي حققناه للشعب الجزائري، عن طريق الصلح والمصالحة الوطنية الذي يتبجح بها ويستثمر فيها، أحزاب وسياسيون، وأدعياء لم يقدموا فتيلا أو نقيرا أو قطميرا.

وإذا كنا قد تجملنا بالصبر وأظهرنا الانضباط، ووضعنا القضية في يد العدالة لتأخذ مجراها الطبيعي، وهو الذي كان ..فإننا لا نسمح للرئيس أو للوزير أو لغيرهم أن يتصرفوا في حقوق الغير تحت ضغوط من يسمون أنفسهم بالمجتمع المدني الذي لا أثر له في الحياة.

بل نطالب الرئيس ، إن رأى أن يمضى عفوا أو يقرّر قرارا، يخص فردا أو جماعة من أبناء الجزائر فما عليه إلا أن يتوجه إلى من يهمهم الأمر لاسترضائهم.

وهو العمل الذي جاءت به الأديان وتقرّه كل الأعراف والقوانين. والمعني الأول في هذا الأمر، هم أهل الضحية ،أي أهل الشيخ علي مراد. هذا إذا أرادوا أن يزرعوا أزهار المودة والمحبة والإخاء، أما إذا عزموا على زرع الأشواك وإحياء الضغائن والأحقاد، فالقضية تصبح من اهتمامنا واهتمام كل مظلوم ، و عندها سنكون لنا كلمة وموقف , ونسأل الله لنا ولهم الهداية والرشاد .