شهادة الجماجم

بسم الله الرحمن الرحيم

شهادة الجماجم

أيها الناس .. انصتوا .. فإن الجماجم تتكلم

الحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

صدق الله العظيم ، وبلغ رسوله الأمين ، ونحن على ذلك من الشاهدين ..

الشهداء ، ما غابوا وما ماتوا .. ولا يموتون .

الشهداء قتلوا .. لكنهم أحياء .. عند ربهم يرزقون .

الشهداء .. صدقوا الله ، فصدقهم الله .. فلا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون .

الشهداء الأبطال .. قطعت رؤوسهم ، وماتت .. وعن أجسادهم ، فصلت وغابت .. لكن أرواحهم ، إلى بارئها عادت ، وإلى خالقها آبت .. فهي في مقعد صدق ، عند مليك مقتدر .

الشهداء الأبطال .. في متحف حفظت جماجمهم .. لتحكي للأجيال ، مفخرة حروب المستعمرين وانتصاراتهم .. فأبى الله إلا أن يجعلها ، حجة دامغة ، على جرائمهم ومجازرهم .. وشاهدا قويا ، على حقارتهم ونذالتهم .

الشهداء الأبطال .. إلى أرض الوطن ، عادت جماجمهم .. عادت ، ومعها رسالة في كتاب .. وقبل أن تقبر في التراب ، ألقت على مسامعنا الخطاب .. فيه التذكير والعتاب ، وأسئلة تنتظر الجواب ..

سمعه المخلصون وحفظوه ، وغاب عنه الغافلون وضيعوه ، واستثقله المرجفون وأنكروه .. وكفر به أذناب فرنسا الإستعمارية وعملاؤها ، فردوا أيديهم في أفواههم ، وجعلوا أصابعهم في آذانهم ، فهم لا يسمعون ولا ينطقون .. وران على قلوبهم ، فهم لا يفقهون ولا يؤمنون .

قالت الجماجم مذكرة :

لا إله إلا الله ، الذي لا يحمد على مكروه أحد سواه ، ولا يعبد بحق أحد غيره ، سبحانه وتعالى عما يشركون .. خلق الإنسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين .. ﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ ﴾ .. فسبحان الله الخلاق الحكيم ، الذي يحيي العظام وهي رميم .. هو الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون .

أيتها الأجيال .. يا أبناء الإستقلال .. ما نحن ، إلا ذكرى في ذاكرة .. ذكرى ، تنفع الصادقين ، وتنبه الغافلين ، وتحذر المارقين ، وتفضح الكاذبين والخائنين .. ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

نعم .. نحن ذكرى ، في ذاكرة شعب ، هو شعب الجزائر .. وذكرى ، في ذاكرة أمة ، هي أمة الإسلام .. وذكرى ، في ذاكرة تاريخ ، هو تاريخ الإنسان .

نحن ذكرى أجدادكم الأمازيغ الأحرار ، الذين حاربوا الرومان والبزنطيين والوندال ، ووقفوا في وجه الطغاة والغزاة الأشرار .. وكلما استعبدت قبائلهم حرروها ، وكلما سلبت أراضيهم استرجعوها .. كانوا يرفضون الظلم والطغيان ، ويأبون الذل والهوان ، ويعشقون الحرية والأمان .. هكذا كانوا ، وكذلك كانت مبادئهم ، إن حربا فحرب ، وإن سلما فسلم ..

وهم على هذه الحال .. إلى أن نزل بأرضهم دعاة الإسلام .. فاستقبلوهم بالشك والريبة في أول الأمر ، ظنا منهم ، أن الوافدين الجدد ، غزاة طامعون أشرار ، كمن سبقوهم في الهجوم على الأهالي والديار .. فجادلوهم تارة بحجة اللسان ، وقاوموهم تارة أخرى بحد السنان .

ولكن .. ما إن تبينوا الحق من الباطل ، وعرفوا الضيف من القاتل .. حتى دخلوا في دين الله أفواجا ، وأقبلوا عليه دفعات وأمواجا .. لأنهم تأكدوا ، أن هذا الضيف يسألهم الدخول في الإسلام ، ويدعوهم إلى الإيمان بالله والقرآن .. وذاك الغازي يقتلهم من أجل السلطان ، ويسلبهم الأراضي والأموال والنساء والولدان .

نعم .. نحن ذكرى تذكركم .. تذكركم ، بالصحابي الجليل العالم ، أبو مهاجر دينار رضي الله عنه وأرضاه ، الذي جاء إلى بلادنا داعيا ومبشرا ، وهاديا إلى صراط الله المستقيم .. فأنار عقول أجدادنا بنور الإيمان ، وطيب قلوبهم بذكر الرحمان ، وأطلق لسانهم بلغة القرآن ..

... جَاءَهُمْ بِالهُدَى كِتَابٌ كَرِيمٌ ... عَرَبِيُّ البَيَانِ فِيهِ الدَّوَاءُ ...

ثم أعقبه بعد ذلك ، الصحابي الشجاع ، عقبة بن نافع رضي الله عنه وأرضاه ، فاتحا ومقاتلا ، في سبيل إعلاء كلمة الحق ، وإفشاء الأمان والسلام ، وسيادة عدالة الإسلام ... قال القائل :

... قدْ أَوْضَحَ اللهُ لِلإسْلامِ مِنْهَاجَا ... وَالنَّاسُ قَدْ دَخَلُوا في الدِّينِ أَفْواجَا

... ماتَ النِّفَاقُ وأَعْطَى الكُفْرُ ذِمَّتَهُ ... وَذّلَّتِ الخَيْلُ إلْجاماً وَإسْراجَا

... وأصْبَحَ النَّصْرُ مَعْقُودًا بِأَلْوِيَةٍ ... تَطْوِي المَرَاحِلَ تَهْجِيرًا وإدْلَاجَا

ومنذ ذلكم الحين ، والجزائريون ، أجدادا وآباء وأبناء وأحفادا ، يؤكدون جيلا بعد جيل ، تمسكهم المنقطع النظير بتعاليم الدين ، وثباتهم الراسخ على الصراط المستقيم ، ولسان حالهم ومقالهم ، يردد عاليا في كل وقت وفي كل حين .. رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..

ومنذ ذلكم الحين ، اختار الآباء والأجداد نهائيا ، أن يعيشوا بالإسلام وللإسلام .. كما اختاروا نهائيا ، ألا يموتوا إلا وهم مسلمون ، مصداقا لقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾

ومنذ ذلكم الحين ، لم تقم في الجزائر دولة غير دولة الإسلام ، ولم يخضع الجزائريون لحكم غير حكم القرآن .. فقد فتحوا أندلس الإسبان مع الخلافة الأموية ، وحكموها قرونا عديدة .. وعلى حكم الإسلام بايعوا الخلافة العباسية ، وبه حكموا مدة مديدة .

ولما ضعف العباسيون وانكمش سلطانهم ، وبدأت شمسهم في المغيب .. أنشأ أجدادكم من صنهاجة وكتامة وغيرهم ، دولا ودويلات ، وحكاما وحكومات ، كلها حكمت بشريعة الإسلام ، ولم تخرج منه أبدا .

فقد أسسوا الدولة الرستمية في غرب البلاد ، سنة ست وسبعين وسبع مئة للميلاد .. ودولة الأغالبة في شرقها ، سنة ثمان مئة للميلاد .. وجاءت بعدهما الدولة الفاطمية ، سنة عشر وتسع مئة للميلاد .. تلتها دولة الزيريين ، سنة إحدى وسبعين وتسع مئة للميلاد .. وبعدها الدولة الحمادية ، سنة أربع عشرة وألف للميلاد .. فدولة المرابطين ، سنة ستين وألف للميلاد .. ثم دولة الموحدين ، سنة إحدى وعشرين ومئة وألف للميلاد .. وأخيرا دولة الزيانيين ، سنة خمس وثلاثين ومئتين وألف للميلاد ...

ومازالوا كذلك ، ثابتين على دينهم ، لا يبدلون ولا يغيرون ، عاما بعد عام ، وقرنا بعد قرن ، ودولة بعد دولة ، حتى جاء اليوم الذي طمع فيه الصليبيون في أرض الجزائر ، أرض الإسلام والمسلمين ، وهجم الإسبان على مزغنة ، سنة تسع وخمس مئة وألف للميلاد .. فما كان من حاكم الجزائر حينها ، إلا أن استنجد بإخوانه العثمانيين ، طالبا عونهم وحمايتهم ..

فلحقه الأخوان القائدان ، عروج وخيرالدين بربروس ، فجيشوا جيشا من أبناء الجزائر وشجعانها ، وهجموا على الإسبان فهزموهم وطردوهم شر طردة ، وأعادوا للجزائر حريتها وسيادتها ، وعزتها وكرامتها .. وكان لهذه النجدة والنصرة ما بعدها ..

فقد جيشوا بعد ذلك جيشا كبيرا ، وبنوا أسطولا بحريا عظيما ، فرض سيطرته في البحر المتوسط ، ثلاثة قرون متوالية وتزيد ، لا تتحرك فيه سفينة مهما كان صاحبها ، أو الدولة التي تملكها ، إلا وكان ذلك تحت مراقبة الأسطول ، وبإرادة قادته ، بعد إرادة الله العلي القدير ...

نعم .. هكذا كان آباؤكم و أجدادكم ، وهكذا عاشوا حياتهم .. كانوا يعبدون الرحمن ، ويهتدون بتعاليم القرآن ، ويقتفون آثار رسول السلام ، ويحمون أوطانهم بالتعاون على البر والتقوى ، وبالتعاون على البر والتقوى يذودون عن بيضة الإسلام .. وكانوا حينها سادة العالم ، وكان العالم حينها ، لا ينظر إليهم ، إلا بعين الرهبة والتقدير والإحترام ..

وإذا كان الله العلي القدير ، قد أخضع الإنسان لسننه في الحياة ، يولد صبيا رضيعا ، ثم طفلا ناشئا ، ثم شابا يافعا ، ثم كهلا بالغا ، ثم شيخا كبيرا ، ثم الموت المحتوم ... ورحم الله القائل :

... نُطْفَةٌ كَانَ فِي الظَّلَامِ جَنِينَا ... ثُمَّ طِفلا مُطَهَّرَ الأَرْدَانِ

... فَغُلَامًا غَضَّ الشّبَابِ فَتِيَّا ... مِنْ رَبِيعِ الحَيَاةِ فِي رَيْعَانِ

... يَصْعَدُ العُمْرَ سُلَّمًا فِي سِرَاجٍ ... مِنْ نَشَاطٍ وَقُوَّةٍ ومِرَانِ

... ثُمَّ يَخْبُو سِرَاجُهُ حِينَ يُمْسِي ... فِي مَشِيبٍ مُهَدَّمَ الأَرْكَانِ

كذلكم تاريخ الدولة العثمانية .. فقد ولدت تنظيما قبليا صغيرا من رحم الدولة السلجوقية ، ثم إمارة مستقلة بعد تفكك ملك السلاجقة ، ثم سلطانا قويا بتنظيم عسكري محكم ، ثم خلافة إسلامية بسطت نفوذها في جهات العالم الأربع ، ثم الهرم والإنكماش ، والضعف والأفول .. ويرحم الله القائل :

... كُلُّ نَجْمٍ مُهَدَّدٌ بِأُفُولٍ ... وَلِنُورِ الِإلَهِ دَامَ الضِّيَاءُ .

وهذه سنة الله في خلقه .. بعد الحياة يأتي الموت ، وبعد القوة يأتي الضعف ، وبعد الصعود يأتي الهبوط ..

فبعدما بلغت الخلافة العثمانية ، من القوة والسلطان مبلغا كبيرا ، ومن الملك والتوسع شأنا عظيما ، جاءتها ريح عاصف ، زعزعت أركانها وقطعت أوصالها .. ريح الفتن والخيانة من الداخل ، وريح الثأر والإنتقام من الخارج .. وكانت معركة نفرين ، سنة سبع وعشرين وثمان مئة والف للميلاد ، هي الحد الفاصل ، بين ما فات وما هو آت ..

ففي هذه المعركة ، انهزم الجيش العثماني المسلم وانكسرت شوكته ، وانتصر الجيش الغربي الصليبي وعظم شأنه .. وفيها تحطم الأسطول الجزائري العثماني وانتهت أسطورته ، وفيها دق إسفين الخيانة المسموم في نعش الخلافة الإسلامية ، لتقبر بعد ذلك نهائيا ، سنة أربع وعشرين وتسع مئة وألف للميلاد ..

وتكالب الصليبيون على أرض الإسلام يقطعونها قطعا ، كما تتكالب الضباع إلى فريستها تمزقها مزقا .. وكانت الجزائر ، من نصيب الإحتلال الفرنسي الظالم ، والإستعمار الصليبي الغاشم ...

وكعادتهم .. وذلك ديدنهم .. ثار أجدادكم في وجه الظلم والطغيان ، جهادا في سبيل الله ، ودفاعا عن الدين والأرض ، وحفظا للنفس والعرض .. ثاروا بما تهيأ لهم من العدد والعدة ، ولو كان العدد قليل والعدة أقل ..

واندلعت الثورات في كل ربوع الوطن ، شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا .. وكانت الحرب ، فخاضها المجاهدون .. وكانت الشهادة ، فظفر بها الشهداء .. وكنا من هؤلاء المجاهدين الثوار ، ونسأل الله أن يتقبلنا في الشهداء الأبرار ...

ثم تنهدت الجماجم واستغفرت .. وقالت ، معاتبة متأسفة :

أيتها الأجيال .. يا أبناء الإستقلال .. مما يؤسفنا ويؤلمنا ، ويدمي قلوبنا ويدمع عيوننا ، مقالة السوء ، والفرية التي افتراها أعداء الله والإسلام ، من أتباع بني صهيون في بلاد المسيح الدجال ، وسوق لها الممسوخون والمنسلخون فينا ، قوم من بني جلدتنا ، يسمون باسمائنا ويتكلمون بلساننا ، وهم ليسوا على شيء .. يأكلون طعامنا ويشربون شرابنا ، ويحلبون حليبهم في إناء أعدائنا ..

قال هؤلاء وأولائك ، في العهد الأول من مجيء الإسلام ، بأن العرب دخلوا البلاد غزاة ، للقتل والسلب والنهب والسلطان ، وتدمير الحضارة التي تركها الرومان ، وتغيير الدين الذي نشره القسيسون والرهبان .. وقالوا في العهد المتأخر من حكم الإسلام ، بأن العثمانيين ما جاؤوا للنصرة وحماية الأوطان ، ولكن للإحتلال والغنيمة واستعباد الإنسان ..

وكذبوا ، وما كان فينا من يصدقهم .. وضلوا وأضلوا ، ووجدوا فيكم سماعون لهم .. وصدق من قال :

... وَسَعَوْا بِفِرْيَتِهِمْ فَلَمَّا صَادَفُوا ... سَمْعًا يَمِيلُ إِلَى المَلَامِ تَوَسَّعُوا .

لقد شهدوا شهادة الزور والبهتان ، وحرفوا الكلم عن مواضعه في كتب التاريخ والأديان .. رغم أن تاريخ الفاتحين المسلمين ، متلألئ كالبدر في الليلة الظلماء ، ومشرق كالشمس في كبد السماء .. لا يجهله إلا صاحب عقل فاسد جاحد ، ولا ينكره إلا صاحب قلب حاسد حاقد ..

لقد فعلوا في كتب التاريخ فعلتهم ، ومازالوا يفعلون .. وحاولوا دوما تزوير الحقائق ، وما زالوا يحاولون .. لكن شهود الحق ، بالصدق يشهدون وبالله يقسمون ، أن الجزائريين ، اعتنقوا الإسلام عن قناعة ، ونصروه عن حب وإيمان وشجاعة ، وتمسكوا به سمعا لله وطاعة ، ووفاء لصاحب الحوض والشفاعة .. ولله ذر القائل :

... هُنَالِكَ يَعْلُو الحَقُّ والحَقُّ وَاضِحٌ ... وَيَسْفُلُ كَعْبُ الزّورِ والزُّورُ عَاثِرُ .

وفي نهاية الخطاب .. تساءلت الجماجم بارتياب :

ياترى ، كيف سارت الأحداث بعد استشهادنا ، وإلى أين اتجهت ؟ .. وكم بقيت فرنسا في بلادنا ، ومالذي فعلت ؟ .. وكيف واجهها شعبنا ، ومتى اندحرت ؟ .. وهل أعاد أحفادنا بناء الدولة الجزائرية على مبادئ الإسلام ، كما كانت على الدوام ؟ .. أخبرونا عن أحوالكم ، كيف أنتم ، ماذا فعلتم ، أين صرتم ؟ ... نريد أن نطمئن عليكم ، على دينكم وإيمانكم ، على عرضكم وشرفكم ، على وطنكم وحريتكم ... أخبرونا وارحمونا ، يرحمكم الله ويصلح بالكم ...

وبالحمد والدعاء ، والصلاة على صاحب اللواء .. ختمت الكتاب .

وككل الجزائريين المسلمين ، الوطنيين الغيوريين ، كنت استمع بإمعان واهتمام ، لخطاب الجماجم المسترجعة من متحف الإنسان ، ببلاد الظلم والطغيان ، فرنسا الإستعمارية ، التي أجرمت في حق الشعوب والأوطان ...

وانتظرت ، لعل عاقلا من أولي الألباب ، يرفع صوته بقول الصواب .. فلما طال الإنتظار ، قررت كتابة الجواب .

وإلى أن يأتي الجواب ، في المقال القادم .. لم يبق لي أنا أخوكم مدني مزراق ، إلا أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، خاصة في هذه الأيام المعلومات ، التي أقسم بلياليها العشر رب الأرض والسموات ، وقال عنها رسولنا الذي وجبت علينا في حقه الصلاة : أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الأَيَّامُ العَشْر .. وزاد على ذلك : مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَم عِنْدَ اللهِ ولَا أَحَبَّ إِلَيهِ ، مِن العَمَلِ فِيهِنَّ مِن هَذِهِ العَشْر ، فَأكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ والتَّكْبِيرِ والتَّحْمِيد ..

إنها حقا ، أيام مباركة عظيمة ، وأوقات مفضلة ثمينة .. فيها يوم الحج الأكبر ، وفيها يوم النحر الأعظم ، يوم عرفة المعلوم المشهود ، وعيد الأضحى المبارك المسعود .

نعم .. أيها الإخوة المؤمنون .. فلنعد إلى الله عودة صادقة ، ونتوب إليه توبة نصوحا ، ونقبل على كتاب الله بالقراءة والتدبر ، والفهم والتأمل والتفكر .. ونشتغل بسيرة البشير النذير ، دراسة وبحثا وتفسير ..

فإن الحق كل الحق ، فيما جاء به القرآن العظيم ، أمرا ونهيا وإخبارا .. وإن الخير كل الخير ، في الذي بينته السنة المطهرة ، قولا وفعلا وإقرارا .. فهما الثقلان ، والكنزان ، والنوران .. من تمسك بهما ، لن يضل أبدا .

واعلموا أيها المؤمنون .. أن من رضي بقضاء الله فيه ، رضي الله عنه .. ومن أقبل على الله بقلبه ، أقبل الله عليه برحمته .. ومن عاد إلى الله تائبا مستغفرا ، وجد الله عفوا غفورا غفارا .. ومن دعا الله صادقا مخلصا متضرعا ، وجد الله قريبا مجيبا ، حفيظا ستارا .. ومن سأل الله الدواء ، وجد عنده العافية والشفاء .. فاتقوا الله وأطيعوه ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها .. ﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ..

وبعد الأيام المعلومات ، تأتي الأيام المعدودات ، أيام التشريق المباركات ، أيام التسامح والتغافر ، أيام العيد المجيدة ، والأوقات الطيبة السعيدة ... فعيدكم مبارك سعيد ، وكل عام وأنتم بخير ..

أسأل الله لي ولكم ، العفو والعافية والمعافاة الدائمة ، في النفس والأهل والدين والدنيا والآخرة .. اللهم إنك عفو كريم ، تحب العفو فاعف عنا .. واغفر لنا وارحمنا وتب علينا ، إنك أنت التواب الرحيم ... آآآميين .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

الثلاثاء 28 جويلية 2020 م

الموافق لـ 7 ذو الحجة 1441 هـ

مدني مزراق