رجال صدقوا

بسم الله الرحمن الرحيم

... ﴿ أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ، ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴾

الموت قدر مقدور .. الموت مصير محتوم .. الموت نهاية لابد منها .. هذه إرادة الله ، وهذا قضاؤه على عباده ، وهاته مشيءته فيهم ..

" هو الْحيُّ الَّذي لاَ يموتُ ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يمُوتُونَ "

الموت ، نهاية حياة .. الموت ، بداية حياة .. الموت نهاية حياة فانية ، وبداية حياة باقية .

ومثلما الحياة الدنيا ، حياة خير وشر ، و صلاح وفساد ، وسعادة وشقاء ..كذلك الحياة الأخرى ، حياة رحمة وحساب ، ومغفرة وعقاب ، ونعيم وعذاب .

وإذا كان أهل الخير والصلاح والسعادة في الدنيا ، هم الخيرون المحسنون .. وأهل الشر والفساد والشقاء فيها ، هم الأشرار المجرمون .. فريق هدى الله ، وفريق حقت عليه الضلالة .

فإن أهل الرحمة والمغفرة والنعيم في الآخرة ، هم المؤمنون المتقون .. وأهل الحساب والعقاب والعذاب فيها ، هم العصاة الفاجرون .. فريق في الجنة وفريق في السعير .

وإن عبادا استهلكوا أعمارهم ، في فعل المنكرات وترك الخيرات ، وبارزوا الله بالمعاصي ، وجاهروا بالكبائر والصغائر والموبقات .. لحقيق بهم ، أن يقبلوا حكم الله فيهم ، وحقه عليهم ، بأن يدخلهم جهنم ، ليأكلوا من زقومها ، وطعام الأثيم الذي يغلي في البطون كغلي الحميم .

وإن عبادا استنفذوا أيام عمرهم ، في فعل الخيرات وترك المنكرات وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وتلاوة القرآن ، والإحسان إلى المساكين .. لجدير بهم ، أن ينظر إليهم الله عز وجل بعين الرضا والمحبة ، ويشملهم بالرحمة والمغفرة ، وتتوفاهم الملائكة طيبين ...

﴿ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰامٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴾

وإن الأخوين الكريمين ، والشيخين الفاضلين : الأخ عمر بلمبارك من شيغارة في ميلة ، والأخ الهاني صياد من الحامة في قسنطينة .. لمن عباد الله المؤمنين وأوليائه الصالحين ، الذين ذكرناهم آنفا .. نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا .

فالأول ، انتقل إلى جوار ربه في شهر رمضان ، وما أدراك ما شهر رمضان ، وفي العشر الأواخر منه ، وماأدراك ما العشر الأواخر ، وفي يوم الجمعة ، وما أدراك ما يوم الجمعة ، وكلها علامات ظاهرة على حسن الخاتمة .

والثاني ، التحق بالرفيق الأعلى ، في أول يوم عيد الفطر المبارك ، وفي ليلة الجمعة ، وفي أيام التغافر والتسامح ، وكلها علامات بينة على حسن الخاتمة .

ومن أعظم المبشرات ، التي بلغتنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله في الحديث الصحيح الصريح :

" مَنْ قرأَ آيةً الكُرسِيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ، لمْ يمنعْهُ من دُخُولِ الجنةَ إلَّا أنْ يمُوتَ "

إنها والله لبشارة عظيمة ، لكل المصلين الصادقين والصادقات ، الذاكرين الله كثيرا والذاكرات .

وإذا كان الأمر هكذا مع آية الكرسي ، وهو كذلك قطعا ، إيمانا منا ويقينا ، فلا ريب ولا شك في كل خبر ، صح عن الصادق المصدوق .. فكيف إذًا ، بمن صلى الفريضة ونفّل وقام ، وصام رمضان إيمانا واحتسابا ، وزاد في كل شهر أيام .. وكيف بمن حفظ القرآن ورتله ، طوال هذه الأعوام .. وكيف بمن سخر نفسه ووقته وماله ، للدعوة إلى الله وهداية الأنام .. و إن أخوينا الفقيدين ، قد فعلا هذا وزيادة ، توفيقا من الله وفضلا ، والله ذو الفضل العظيم .

أقول هذا بكل صدق وتواضع ، وأعوذ بالله أن أكون مغرورا ، أو أكون مختالا فخورا .. فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله :

﴿ ياأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡ‍ًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ﴾

" فالنادم المشفق ينتظر من ربه الرحمة ، والمعجب ينتظر المقت ، والليل والنهار مطيتان ، وإنما الأعمال بخواتيمها " .. أو كما جاء في الأثر .

ويرحم الله علماء مدرسة السلوك ، فقد أخذوا العبرة من هذا ، وصاغوه حكمة بالغة مختصرة بقولهم : " معصية تورث الذل والندم ، خير من طاعة تورث العجب والغرور "

... فاللهم يا رب ارحم أخوينا ، واغفر لهما ، واعف عنهما وعافهما ، وتقبلهما في الصالحين .. اللهم وسع مدخلهما ، وأكرم نزلهما ، واجعلهما في أعلى عليين .. واحشرهما يارب في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

... وإذا فاتني في هذه العجالة ، أن أذكر مناقب الأخوين وما أكثرها ، فلن يفوتني التذكير بالمشروع الذي ناضلا من أجله في سبيل الله ، خاصة ، ونحن نعيش مع الأمة ، الأحداث الأليمة والأيام العصيبة ، التي يمر بها إخواننا في فلسطين المحتلة .. الأحداث الصادمة ، التي تفضح وتعري ، أكاذيب الأمم المتحدة ، ونفاق مجلس الأمن ، وخرافة العالم الديمقراطي وحقوق الإنسان .. لقد انقلبت الموازين عندهم .. وبات الدفاع عن النفس والأرض ، بصواريخ تقليدية ضعيفة التأثير ، جريمة لا تغتفر .. وأصبح الهجوم على الآمنيين العزل ، بالطائرات والمدافع والقنابل ، قضية فيها نظر .. وأضحى محسوما لديهم ، أن الإرهاب صفة لصيقة ، بكل من أنكر على الكيان الصهيوني إجرامه أو ناصبه العداء ، كائنا من كان ، دولة أو جماعة أو حزبا أو منظمة أو فردا ..

ولعل هذا المقطع من البيان الذي نشرناه في وقته ، يفي بالغرض ، لفضح المتبجحين بتهمة الإرهاب ، التي يلفقونها زورا وبهتانا ، للإسلام وأهله :

" إنّ الأديان السماوية كلها ، والأعراف الإنسانية جميعها ، والقوانين الدولية برمتها ، أكدت على مايلي :

حقّ الإنسان في الدّفاع عن نفسه وماله وعرضه .

حقّ الشّعوب في الدّفاع عن أوطانها وهويتها وكرامتها .

حقّ الدّول في حماية بلدانها وشعوبها ومصالحها المشروعة .

إنّ القتال في الحالات الثلاثة المذكورة أعلاه ، بقيوده المشروطة ، هو حقّ شرعي ، أكّده الله خالق الإنسان ، وهو يحذّر عباده من جريمة القتل ، التي عدّها الإسلام من أكبر الكبائر ...

فقال سبحانه يمدح عباد الرحمن :

﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾

... إنّ الدّول العظمى ، التي ترفع شعار الديمقراطية ، والدّفاع عن حقوق الإنسان .. هي التي قامت بأوسع عملية احتلال في العصر الحديث .. فبِاسْمِ ترويض الشعوب الهمجية ، وإخراجها من ظلمات الفقر والجهل .. استعمروا أوطاننا ، وقتلوا شعوبنا ، ونهبوا خيراتنا ، وفعلوا المستحيل لطمس هويتنا .. وكلما دخلوا مدينة أفسدوها ، وجعلوا أعزة اهلها أذلّة ، وأحرارها عبيدا ، وعلماءها جهّالا ، وأغنياءها فقراء يتسولون ، وأقوياءها ضعفاء يتمسكنون ..

وهذه الدّول ، هي نفسها من تسبّبت في اندلاع ، أعظم وأشرس الحروب في تاريخ البشرية .. ويكفي أن نعلم ، أن الحربين العالميتين ، الأولى والثانية ، خلفتا عشرات الملايين من القتلى ، وأضعافهم من الجرحى والمشرّدين .

... إنّ عملية القتل ، تحتاج إلى وسائل ، ووسائلها ، هي الأسلحة المختلفة ، التي عرفتها البشرية .. وإذا كان الإنسان الأول ، البدائي الجاهل كما يقولون ، قد اكتفى باستعمال الهراوات ، والرّماح والسّهام ، وبعد ذلك السيوف ..

فإن الإنسان العالم ، المتنوّر المتحضّر ، في العصر الحديث ، قد فضّل تجويع عدد هائل من البشر، وتركهم فريسة للأمراض القاتلة ، والموت البطيء .. ليجمع الأموال الطّائلة ، ويصرفها على صناعة الأسلحة المدمّرة الفتّاكة .. فكانت هذه القنابل النّووية ، التي تدمّر كل شيء بإذن ربها ، والقنابل الكيماوية ، التي تسلب حياة المخلوقات على اختلاف أنواعها ، والغازات السامة ، التي تقتل و تخنق وتشوّه ، وعدّد ما شئت من الأسلحة ، المحرمة دينا وعرفا وقانونا .. هذه الأسلحة المدمّرة الفتاكة ، التي جعلت من وسائل الحرب التي يسمُّونها تقليدية ، مثل الطائرات ، والدبابات ، والمدافع ، ومختلف أنواع الرشّاشات ، أسلحة إنسانية رحيمة ..

نعم.. هذا ماقدّمه دعاة الديمقراطية ، والدّفاع عن حقوق الإنسان ، للمخلوقات الحية فوق هذه الأرض .

الحقيقة التي ليس بعدها إلا الضّلال :

إنّ كلّ ما فعلته الصّهيونية بالإنسان ، فوق هذه الأرض ، من قتل و فساد و دمار، كان ينفّذ دائما ، باسم الدّين اليهودي ، والفكر النوراني .. وسيّدنا موسى عليه السلام ، و دينُ بني إسرائيل ، من الصهيونية براء .

إنّ الكوارث التي ارتكبها الصليبيون ، في حقّ الأمّة الإسلامية خاصّة ، و النّاس عامّة ، كانت تتمّ ، باسم الدّين المسيحي .. و سيّدنا عيسى عليه السلام ، و دينُ النّصارى ، من الصليبية براء .

إنّ الأعمال الوحشية ، التي تنفّذها تنظيمات مارقة مجنونة ، مثل تنظيم " الجيّا " المنحرف في الجزائر ، و داعش في العراق وبلاد الشّام ، و من سبقوهم عبر تاريخ الأمّة الطّويل .. كانت و مازالت تتمّ باسم الإسلام .. و سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ، و دينُ المسلمين ، من أفعالهم براء .

إنّ الطّغاة والمستبدّين ، في جميع أنحاء العالم ، سجنوا وعذبوا وقتلوا وسلبوا وخرّبوا ودمّروا ، باسم حماية الدّولة ، والدّفاع عن مصلحة الشّعوب .. والشّعوب منهم ومن أفعالهم براء .

أمّا من حاربوا أو يحاربون ، دفاعا عن النّفس و المال و العرض ، أو حماية للدّين والهوية والأرض .. لا يقتلون أعزلا آمنا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا يأخذون مالا بغير حق ، ولا ينتهكون عرضا ولا يعتدون ، ولا يرتكبون تجاوزات ، إلا ما أكرهوا عليه ، أودعتهم الضرورة القاهرة لفعله ، بالقيود الشرعية والضوابط الفطرية الإنسانية ..

.. أما هؤلاء ، فهم المقاتلون الشّرفاء ، حيثما كانوا وأنى وجدوا ، من عاش منهم كان من المجاهدين الأخيار، ومن قتل كان من الشّهداء الأبرار ..

اللّهم اجعلنا منهم ، فقد علمت سرّنا ، وما انطوت عليه قلوبنا ، وعرفت قصدنا ، وما نويناه في كلّ أقوالنا و أفعالنا .. فإنّك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور .

﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾"

... ولأني أعتقد اعتقادا جازما ، أن نصرة فلسطين ، لن تتم بالشكل الذي يحقق المقصود والمطلوب ، إلا إذا اجتهد أبناء الأمة العربية الإسلامية وناضلوا ، من أجل بناء الدول العادلة القوية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا ، التي تتمسك بالدين والتاريخ والهوية .. هذه الدول وحدها ، من يستطيع أن يقف في وجه الكيان الصهيوني وحلفائه ، وهي وحدها بعد الله ، إذا تظافرت جهودها ، من يعيد فلسطين لأهل فلسطين ، ولجميع العرب والمسلمين .

ولأن بلدي الجزائر ، بلد الإسلام والعروبة ، بلد الثورة والشهداء ، ممن يعول عليها في الدفاع عن فلسطين وقضايا الأمة .. فهي معنية بالدرجة الأولى ، بمشروع التصحيح والإصلاح والتغيير نحو الأفضل والأكمل ..

وقد حاولنا جهدنا وما زلنا ، وسنبقى نحاول إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، ويتحقق المرغوب ونبلغ الهدف المنشود ، وتتجسد دولة الشهداء بشعار العلماء على أرض الواقع ، حقيقة لا خيالا ، ويقظة لا أضغاث أحلام .. دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة ، ديموقراطية واجتماعية ضمن إطار المبادئ الإسلامية .. تحت شعار .. الجزائر وطننا ، والإسلام ديننا ، و العربية لغتنا .. ولعل هذا الجزء من البيان ، قد وضح سعينا في أوانه :

" إنّ الأزمة القاسيّة ، و المحنة الداميّة ، الّتي مرّت بها الجزائر ، تختلف اختلافا كليا ، عن الصّراعات الدّامية ، الّتي تعصف ببعض الأوطان العربية الإسلاميّة اليوم ، لامن حيث الدّوافع و الأسباب ، أو الأطراف المتنازعة ، أو مجريات الأحداث و تسلسلها ..

لأن قضيتنا ليست عقائدية ، أو طائفية .. كلا ولم تكن أبدا ، مشكلة كفر وإيمان .. كما يدعي أهل الهجرة والتّكفير ، ومن ذهب مذهبهم .. وإن كان الإيمان ، هو أصل عقيدتنا ، وسرّ حياتنا ، ونور قلوبنا وعقولنا ..

وهي ليست اجتماعية واقتصادية .. كما لم تكن أبدا ، مشكلة فقر وتهميش .. مثلما يفسّر ذلك أشباه الخبراء والمحلّلين .. وإن كان الفقر والتهميش ، أعداء لنا ، نحاربهم بالعمل والتضامن والعدل ..

وهي ليست مؤامرة خارجية .. ولم تكن أبدا ، مشكلة عمالة لجهات أجنبيّة .. كما يروّج لذلك التّيار الاستئصالي العميل .. وإن كان الأخطبوط الصّهيوني العالمي ، حاضرا بقوّة في أزمتنا ، عبر أدرعه الطويلة .. فرنسا ، وأمريكا ، ودولة اليهود .. ومن لفّ لفّهم ..

بل هي قضيّة حقّ وباطل .. وسببها سياسي صرف .. ذلك أنّ النّظام الحاكم في بلادنا ، وجّه دعوة رسمية لكلّ التّيارات السياسية في الجزائر ، للخروج من العمل السّري .. والدخول في الشّرعية ، والنّشاط علنا في إطار أحزاب ، تخضع للقانون وتتحرّك في إطار الدّستور .. فصدّقناه ولبّينا الدّعوة ، واحترمنا القوانين التي سطّرها ، والقواعد التي وضعها .. فلمّا انحاز الشّعب إلى صفّنا .. ووضع ثقته فينا .. وسلّمنا مقاليد الحكم بكل سيادة وديمقراطية .. داسوا على هذه القوانين ، وتنكّروا لتلك القواعد ، وانقلبوا علينا جهارا نهارا ، أمام أنظار كل شعوب العالم ، الذين كانوا أكبر شاهد عيان ، على خطيئة الانقلابيين المنكرة ، وفعلهم الشنيع ..

... فكان النظام الحاكم بهذا ، هو المسؤول عن الأزمة ، وهو المسؤول عن كل الأخطاء ، التي وقع فيها غيره لاحقا ، ومنها أخطاء رجال الجبهة الإسلامية ، الصادقين مع ربهم ، المحبين لوطنهم .. لأن كل ماأصاب الجزائر بعد ذلك ، جاء كنتيجة طبيعيّة ، للتصرف الأرعن ، الذي قام به رؤوس التيار الاستئصالي الحاقد ..

أما ما وقعت فيه ، بعض الفلول الإجرامية التّابعة للنّظام ، من انتهاكات وتجاوزات خطيرة ، وكذلك مافعلته بعض الجماعات المسلحة ، التي لادين لها ولاخلاق ، من مجازر وماشابهها .. أما هذا ، فنحن منه براء ، براءة الذئب ، من دم يوسف بن يعقوب عليهما السّلام ..

وإذن ، فمهما نعق النّاعقون بالأباطيل .. ونبح النبّاحون بالأراجيف .. وزوّر المزوّرون بالافتراءات .. فإنّ الحقيقة تبقى ساطعة ، كالشّمس في كبد السّماء ، لا يستطيع طمسها ، طاغية جبّار أومجرم قتّال .. أويعكّر صفوها ، خائن غدّار أومتقوّل دجّال .. جفت الاقلام وطويت الصحف .

﴿ مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾" .