رسالة إلى الرئيس

هذه الرسالة بعثناها إلى رئيس الجمهورية ، السيد عبد العزيز بوتفليقة عن طريق جهة رسمية يوم 11 فيفري  2011 ، وبعثنا بها إلى الصحافة الوطنية في بداية مارس 2011 .

                                                    بسم الله الرحمن الرحيم

      بين يدي الرسالة :

هذه الرسالة .. هي نتاج استشارات تمت مع بعض الشخصيات السياسية والعسكرية ، و رجال ثورة التحرير المباركة ، وهي ثمرة نقاش كبير جاد مشحون بالغضب ، مما آلت إليه الأوضاع في البلاد ، ممزوج بيأس يكاد يكون محبطا ، من تلاعب ومماطلة ، الذين يشرفون على تسيير شؤون الدولة .
نقاش دار بيننا ، في مجلس جمعنا في الأيام الأولى من شهر ماي 2010 ، نحن قادة الجيش الاسلامي للإنقاذ .. وقد كاد ينتهي بنا اللقاء ، إلى قرار خطير ، لولا بقية من العقل فينا ، ورياح خير وهداية هبت علينا ، أغلقت باب اليأس المشرع في وجوهنا .. ونور سطع من نافذة الإيمان ، التي حجبتها غيوم الغضب الذي تملكنا ، فأنار السبيل أمامنا وأعاد الأمل مجددا إلى النفوس .. فاخترنا أن نتحلى بالصبر الجميل ، ونرسل خطابا إلى الرئيس ، نوضح له فيه حقيقة الأوضاع ، ونذكره بالعهد والميثاق ، ونحذره من مغبة ما هو قادم ، إن لم ينتفض ويتحرك بسرعة في اتجاه الإصلاح الشامل .
و أتذكر يومها ردة الفعل عند أخ عزيز ، لما سمع الأفكار والخطوات المطروحة ، والتي لا نختلف عليها ، وهي ما جاء في الرسالة أدناه ، بتفاصيل في تحديد الهيئات والأشخاص مع المراحل الزمنية لذلك .
قال لي : وهل تظن أنهم لا يعرفون هذا ولم ينتبهوا إليه ؟!
فقلت : كلا .. بل يعرفونه وزيادة ، ونحن نفعل مانفعل ، لأن الله أمرنا بالنصيحة والتذكير ، فلربما استيقظ النائم وانتبه الغافل وتشجع الجبان وأقدم المتردد ، وكما تعلم ، فللّه في خلقه شؤون .. وفوق هذا ، نكون قد أقمنا الحجة ، وأبرأنا الذمة ، ورفعنا الحرج ، وأغلقنا باب الندم مسبقا .
ولأن الكل يومها ، كان غارقا في سكرة الانتصارات الوهمية ، التي حققها الجلد المنفوخ . فقد آثرت أن أقدم مساهمة سياسية أدبية ، في بداية جوان 2010 ، تحت عنوان ‘‘تساؤلات وقناعات ونداء’’ ، أفردت بها جريدة الخبر الأسبوعي " رحمها الله " ، نشرتها كاملة غير منقوصة ، وهي على فعلها مشكورة محمودة .. المساهمة التي كانت عبارة عن صرخة قوية ، تساءلت فيها ، عن هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وأولئك الذين ينصبون في مهامهم ولا يحكمون . وهي وإن كانت قد تركت صدى عند الإعلاميين والمثقفين ورجال السياسة و أبناء الشعب المهتم ، فإنها على ما يبدو ، مرت مرور الكرام على الغائبين في قصورهم العاجية ، وبروجهم العالية ، وباتت كصرخة في واد أو نفخ في رماد .
ولأن الوضع أصبح خطيرا ، والخرق كبيرا والخطب جللا ، رأينا أن نترك مظالمنا ومشاكلنا التي تخصنا جانبا ، ونساهم مساهمة صادقة مسؤولة ، موضوعية محترمة ، تعبر عن انشغالات الشعب كله ، وتطرح الأفكار والبدائل ، التي تعين كل مخلص في إنقاذ البلاد والعباد .. فكانت هذه الرسالة .

وإذا كان الدواء الواحد ، يصفه الطبيب بأسماء شتى وعناوين مختلفة ، لعلاج نفس المرض ومداواة نفس الداء .. فإن مبادرتنا ، وإن تميزت بأسلوبها ورجالها ، فهي لا تختلف بتاتا في جوهرها وأهدافها ، عما قدمه الخيرون من المصلحين والسياسيين ، بأساليب وأشكال أخرى .
وإذا كان الطبيب ، يحق له أن يتخذ القرار النهائي والذهاب إلى العملية الجراحية .. فإن واجبه الأكبر هو بذل المجهود المطلوب ، واستنفاذ كل المحاولات في علاج المريض ، بالأدوية والعقاقير، إلى أن ييأس نهائيا  ويفقد الأمل في الدواء .. كذلك ، فإن واجب المصلحين والخيرين ، الأول والأهم ، هو العمل دون كلل ولا ملل ، في محاربة الفساد بالطرق المشروعة ، والبحث عن الحلول والبدائل ، التي تصلح شأن الأمة ، وتحقق العدل بين أبناء المجتمع ، وتنشر فيهم الفضيلة والأخلاق الحميدة .. فإذا تعذر الإصلاح وتعسر ، وكان حاميها حراميها ، حق لهم عندها اللجوء لتعبئة الشعب برمته ، والاحتجاج بالطرق السلمية ، لتغيير المنكر وإزاحة المفسدين ، وإعادة الوطن لأبناءه ، والحق لأصحابه   .
نعم .. المفسدون المجرمون ، ممن لا تربطهم بهذا الشعب ، أخوة دين ولا صلة رحم ، اختبؤوا في دهاليز النظام ومفاصل الدولة ، كخفافيش الليل لا يتحركون إلا في الظلام ، ينهبون خيراتها ، ويعطلون عجلة التقدم فيها ، ويعرقلون السير السليم لشؤون الناس ولو بتعقيد اجراءات بسيطة ، يحاول المواطن جهده لإتمامها ، كي يعيش في إطار الشرعية واحترام القانون ، ويدفعون به إلى العمل بطريقة المهربين في إطار شبه دولة موازية ، دستورها الفساد ، وقوانينها ، الرشوة والاحتكار والسرقة والتجارة في الممنوعات ، والعمل خارج ضوابط الدولة .
 .. فإن شعروا بأي خطر يتهددهم ، أسرعوا إلى الشباب المظلوم المتذمر صاحب المبدأ ، فحرضوه بالمعلومات المغلوطة ، لينتفض في سبيل الله والحق . وإلى الشباب المحتاج المستاء اليائس ، فأغروه بالمال والملذات ، وحركوا فيهم بحديثهم الخبيث المعسول ، نيران الغضب والجنون ، وفتحوا أمامهم طريق الحرق والتخريب .. وربما إلى  حمل السلاح مجددا .. حتى يجهضوا كل سعي حميد يقترحه المصلحون ، ويبطلوا كل عمل رشيد يباشره الخيرون .. فتعم الفوضى ، ويختلط الحابل بالنابل ، فلا يعرف بعدها المسلم من المجرم ، ولا الصالح من الطالح .
لهذا .. فنحن إلى جانب الخيرين في هذا الوطن العزيز، في أي موقع كانوا ، في السلطة أو في المعارضة ، نحرص جميعا ، على أن يتم التغيير المنشود ، والذي لا بد بإذن الله أن يتم ، في جو الإخاء والمسؤولية ، والتعاون على البر والتقوى ، لا على الإثم والعدوان .

أبناء شعبنا العزيز ..
... بعد العمر الذي عشناه ، والمسار الذي قطعناه ، والتجارب التي خضناها .. لا يحق لنا أبدا أن نتخلى عنكم ، ونترككم لعبة طيعة ، أو لقمة سائغة ، لمستهتر لا يعرف للشعب قدرا ، ولا للبلاد حرمة ، أو مجرم لا يفرق بين قتل الذباب وقتل العباد .

أبناء شعبنا الكريم ..
... إن السلم والإستقرار ، يهيئان الأجواء السليمة .. للتعليم وللعمل .
والخصام بيننا والفوضى ..  ينتجان الجهل والفقر .
والجهل ينهزم أمام العلم لا محالة .. والفقر يختفي أمام العمل في عجالة .
وبالعلم والعيش الكريم إذا اجتمعا لشعب ، يقهر الطغيان ويزول الاستبداد مهما كان شكلهما .

اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة .. و أعنا على التغيير بالطريقة التي ترضيك ونقدر عليها ، وسهل أمورنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
إلهنا .. يا من رفعت السماء .. وبسطت الأرض .. وخلقت الخلق .. وبعثت في الكون الحياة .
نعرف أنك خلقت الجنة ، وجعلتها دارا ومأوى لعبادك الصالحين .. وخلقت النار ، وجعلتها عقابا وسجنا لعبادك المفسدين .. وأنت العادل الذي يحكم بالقسطاس المستقيم .
.. وإننا ، مثلما نؤمن بأنك غني عن الخلق أجمعين .. لا تنفعك طاعتهم ولا تضرك معصيتهم .. إنما هي أعمالهم تحصيها لهم ، لتزنها بميزان الحق يوم القيامة .. فمن رجحت حسناته نجا ، ومن رجحت سيئاته هلك .
كذلك ، نؤمن بنفس القدر أيضا .. بأن طاعة المطيع ، ترضيك وتفرحك .. ومعصية العاصي ، تغضبك وتسخطك .
والطاعة .. في اتباع الهدي الذي جاء به  الرسل والأنبياء .. وقد حفظنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ‘‘ كلكم يدخل الجنة إلا من أبى’’، قالوا : ‘‘ ومن يأبى يا رسول الله’’ قال : ‘‘ من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى ’’  .
وهل طاعة الرسل إلا اتباع الحق المبين ؟ وهل الحق إلا فعل الخير والابتعاد عن الشر ؟ والإحسان إلى الناس وترك الأذى ، والمعاملة بالخلق الحسن .. وهل الحق بعد ذلك ، إلا أمر بمعروف ونهي عن منكر ، ونصرة مظلوم وردع ظالم ؟.

اللهم يا سميع يا عليم .. يارب العرش العظيم .. اهدنا جميعا إلى الخير وأعنا على فعله .. وابعدنا عن الشر وقدرنا على تركه .. واجمعنا بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، في جنة الخلد والرضوان ، والفردوس الأعلى ، وملك لا يبلى ..
ونجنا جميعا ، من أكل الزقوم ، وشرب الحميم ، في نار جهنم وسقر ، والدرك الأسفل ، يا عزيز يا غفار .. آمين.
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾

نص الرسالة

                                                    بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الرئيس .. سلام وتحية وبعد :
... بأسف شديد ، وألم كبير ، وحسرة أكبر ، تابعنا الأحداث المؤسفة والإضطرابات المكلفة ، التي عاشتها بلادنا في المدة الأخيرة .. وكأي جزائري مجروح يدافع غضبه ، سألنا أنفسنا بصراحة وصدق .. من هم هؤلاء الشباب ، الذين خرجوا ليلا يحرقون بيوتهم ويخربون ؟! .. ودون تفكير عميق ، أو بحث دقيق . صعقتنا الحقيقة ، بالجواب الرصين والخبر اليقين .
فقالت : إن هؤلاء الشباب هم أبناء شعب أبيٍّ ، يرفض الظلم ، ولا يحتمل الذل ، ويمقت الحقارين .. إذا بلغ السيل الزُّبَى .. تحرك وانتفض ، عابدا كان أو سكّيرا ، مستقيما أو منحرفا .. فلديه من الإيمان في أعماقه ، والدماء الفوارة التي تجري في عروقه ، ما يجعله يستفيق من غفوته ويثور ، ولو صبر وسكت لحين .
.. إن هذا الشباب هو بعض من ذلك الشباب ، الذي قرر يوما أن يموت ، وتحيا الجزائر حرة مسلمة أبية ، فنعتتهم فرنسا الاستعمارية ، بالفلاقة والارهابيين وقطاع الطرق .
.. إنهم بعض من الذين ثاروا ذات يوم من اكتوبر 88 ، ضد التضييق والخنق والمحسوبية والجهوية وممارسات الحزب الواحد ، فوصفوا بالمنحرفين تارة ، والمتطرفين تارة أخرى .
.. إنهم بعض من أبناء الشعب المقهور ، الذي عاقبوه شر عقاب ، لما اختار بقناعة وبغيرها ، أن يقف نكاية في النظام المتعفن المستبد ، إلى جانب دعاة المشروع الاسلامي ، في الانتخابات الحرة والنزيهة سنة 91 ، فملأوا بأبناءه السجون والمحتشدات والجبال ، ووقع ما لم يكن في الحسبان ، فكادت الجزائر أن تصبح في خبر كان .
.. إنهم بعض من الذين تنازلوا عن دمائهم وجراحهم وآلامهم ، ووقفوا جميعا إلى جانب الصلح والتصالح ، طمعا في أمن تطمئن به النفوس ، وعدل تسترجع به الحقوق ، وحكم راشد ينصف المظلوم ، ويردع الظالم ، ويحمي الوطن .. لكن ومع الأسف ، ما إن عاد الأمن والأمان ، والسلم والإستقرار ، حتى صاح على لسانك النظام : ما أريكم إلا ما أرى ، ولا حق لكم في السياسة ، ولا في الكلام .

السيد الرئيس ..
... في الحقيقة .. رسالتنا إليك طويلة ، لا تحتملها هذه السطور .
وحديثنا معك ، كثير ومتشعب .. لا تسعه هذه الصفحات .. وهو من الحق بمكان ، ما يجعل سامعه وقارئه ، يغضب ، وينتفض ، ويثور .
ولأننا تعلمنا من الدين والحياة ، أن الغضب شعلة من نار ، تمثل الشرارة التي تندلع بها الثورات ، صائبة كانت أو خاطئة  .. فقد آلينا على أنفسنا وألزمناها ، قبل أن نتخذ أي قرار صدامي ، أن نروي في الأمر ، ونستشير ونستخير ولا نستعجل .. ذلك لأن المنبث لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .

                                قل للشباب .. الصبر أجمل بالشباب المهتدي
أنتم طليعة أمة .. سباقة نحو الغد
فلتهتفوا يا صفوة الشعب الأبي الأمجد
لبيك .. إن شبابنا لليأس لن يستسلما
.. لهذه الأسباب ولغيرها ، وسعيا منا في اجتناب ما لا تحمد عقباه ، رأينا أن نتوجه إليك بهذا الخطاب ، طمعا في كرم الله وتوفيقه ، ليباركه ويجعل له القبول ، فيقع من آذانكم الموقع الحسن ، فتصغي إليه ، ومن عقولكم الموقع السليم ، فتهتم به ، ومن قلوبكم الموقع الطيب ، فتطمئن نفسك ، ويقوى عزمك ، وتباشر الإصلاحات العميقة التي ينتظرها شعبك .

السيد الرئيس ..
... أنت جزائري .. والجزائر القح ، معروف بمروءته وصراحته ، وكذلك بفنطزيته وجنونه .
وأنت مجاهد .. وقد فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة ، لأنهم أكثر الناس تنكرا للذات ، وأقدرهم على التضحية ، بالغالي والنفيس ، ولو كان الغالي عرش الملك ، ولو كان النفيس كرسي الحكم .
وأنت مسلم .. والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، وبالتعبير السياسي ، من خطاباته المبطنة المغرضة ، وقوانينه المرتجلة الجائرة .

السيد الرئيس ..
... لن نكلمك كثيرا عن النظام المستبد الذي تمثله .. فأنت لا محالة أعرف به من غيرك وأدرى .
ولن نعرفك بالوطن الذي تقود سفينته ، لأنك شاهد عيان على الثمن الباهض ، الذي دفع من أجل تحريره واسترجاعه .
ولن نحكي قصص الشعب الذي ترأسه ، فالأحرار أينما كانوا ، يقرون بسبقه وأستاذيته ، في الانتفاضات الاحتجاجية والثورات التحررية .
لكننا ، نضع بين يديك أسئلة ، موضوعية في مضامينها ، محيرة في حقائقها !
هل يعقل .. أن مجتمعا موحدا ، خال من الطائفية ، يدين الله بالإسلام ، ويجمع أفراده تاريخ مشترك عامر بالبطولات والمآثر ، ويتعلم بلغة سماوية مقدسة بقداسة الكتاب الذي نزل بها ، يعيش الانحطاط ، ويرزح في التخلف ، كأي مجتمع مبتور ، لا عنوان له ولا أصول ؟
هل يقبل .. أن بلدا ، يتربع على هذه المساحة الشاسعة ، شساعة القارات ، ويكتنز في بطنه ، الثروات النفطية والمعدنية الهائلة ، ويحمل على ظهره ، الأراضي الخصبة السخية المنتجة ، ويملك القدرات البشرية الكفأة المبدعة .. يعيش الفقر والإحتياج ، ويثور كما تقولون ، من أجل السكر والزيت ؟
هل يصح ويستقيم في عقوال الأسوياء .. أن رجالا أحرارا ، ومجاهدين ثوارا ، قدموا في سبيل الله الجهد والمال والدم ، ليعيش شعبهم سيدا حرا ، يسكتون ويغضون الطرف ، عن مواقف الذل والهوان ، وسياسات العمالة والتبعية ، لأعداء الأمس واليوم ، الممجدين للإستعمار ، المفتخرين بترويض شعب همجي ، كان يشكل خطرا على المدنية الغربية ؟؟؟.
.. قطعا .. لا يصح هذا ولا يستقيم ، ولا يعقل ولا يقبل أبدا .

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في القلب إسلام وإيمان
السيد الرئيس ..
... لن نسمح لأنفسنا ، أن نظهر وكأننا نلقن درسا في الحكم والسياسة ، فأنتم في هذا معلمون وأساتذة .. ولن ندعي في العلم فلسفة ، فقد علمنا شيئا وغابت عنا أشياء .
بل نقدم الرأي والنصيحة ، والنصح عندنا ، دين ندين الله به : ( الدين النصيحة ، قالوا لمن يا رسول الله ، قال : لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .. وتذكير منا لك ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، وتحذير وانذار لنا جميعا ، من غضب عارم ، ينبئ بأحداث كبيرة ، تحوم حول البلاد و العباد ، وتستعد الأيام القادمة ، لتكتب فصولها وتفاصيلها .
.. وعليه ودون إطالة .. نقول :
إن عودة سريعة ، للمشروع الذي آمن به الشعب واحتضنه ، وضحى من أجله المجاهدون وقاتلوا ، ووقعه الرجال بدمائهم واستشهدوا ، وتركوه إرثا وقاسما مشتركا ، تجتمع حول مبادئه الأجيال ، ويحدد ما هي الدولة التي يحلم بها الأحرار ، دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة ، ديمقراطية واجتماعية ، ضمن إطار المبادئ الاسلامية .
دولة جزائرية .. وليست فرنسية ، لا شرقية ولا غربية .
مستقلة .. وليست محتلة ، ولا مستعمرة ، أو تحت الوصاية .
ديمقراطية .. لا طغيان فيها ولا استبداد ، تقر التعددية السياسية ، وتنعم بالحريات الفردية والجماعية ، وتحترم قواعد المواطنة .
اجتماعية .. ضعيف الدخل فيها ، مستور بالعيش الكريم ، وقوي الدخل غني ، في غير بطر ولا رئاء ، وبينهما طبقة وسطى غالبة ، هي العمود الفقري للمجتمع .
ذات سيادة .. لا تقبل أبدا بالوصاية والتبعية ، حرة في اتخاذ القرارات وتحديد المواقف .
كل ذلك .. ضمن إطار المبادئ الاسلامية الخالدة ، التي جاء بها القرآن ، وبيّنها الرسول عليه الصلاة والسلام ، وفصل فيها العلماء الفهماء ، على مر العصور واختلاف الأزمان .
.. إن العودة السريعة إلى هذه المبادئ النوفمبرية ، هي الحصن الحصين ، والسد المنيع ، الذي نحتمي به من كل الرياح العاتية ، التي عصفت وتعصف بدول شتى ، في مختلف أنحاء العالم .

السيد الرئيس ..
... إن الوثبة المنتظرة ، والنقلة المأمولة ، لا يمكن أن تتم ، إلا بخطوتين أساسيتين :
إصلاح دستوري عميق ، وإصلاح سياسي أعمق .
أما الأول ، فقد تكلمت عنه كثيرا ، لكنك لم تذهب إليه ، واكتفيت بتعديلات لا تسمن ولا تغني من جوع .
والثاني ، ومع كل أسف ، وصدت أبوابه ، وأغلقت اللعبة كلها ، وقتلت روح المبادرة في الكيانات السياسية ، فأضحت جثثا هامدة ، لا حراك فيها ولا حياة ، كيانات لا تعرف الشعب إلا أيام الإنتخاب ..  السياسة عندهم ، تجارة رابحة لا عناء فيها ولا تضحية ، والمجد ، مضمون بغير نضال ولا مخاطر .. يرحم الله شيخنا الفاضل أحمد سحنون :
ليس التشدق بالفضول سياسةكلا ولا ذكر المجازر والحروب
أو أن تثير لذى المجالس ضجة!حول التقدم والتأخر في الشعوب
إن السياسة أن تفكر دائمافيما تعالجه بلادك من كروب
وترى فتعمل ما ترى لعلاجهاولو اقتحمت لها المكاره والخطوب
أما التشدق بالسياسة وحدهامن غير تضحية فذاك من العيوب
وإذن .. فقد آن الأوان ، لفتح نقاش جرئ وصادق ، يشارك فيه ، المؤهلون من كبار رجال الدولة ، و العلماء وفقهاء القانون ، والشخصيات الوطنية ، والفعاليات المؤثرة في المجتمع ، ينتهي بتعديلات وتصويبات ، تؤمن الجزائر دستوريا ، لعشرات السنين .
عندها ، وعلى ضوء الدستور الجديد ، تسن القوانين التي تحكم وتنظم ، نشاطات الأحزاب والعملية الانتخابية ، التي يجب أن تكون من الوضوح والدقة ، بحيث تسمح لنا أن نعرف الحد الفاصل ، بين الممنوع القضائي ، والمباح السياسي ، إذ أنه من العار ، وجود سجناء الرأي ، في دولة تدعي الحرية والديمقراطية .
.. إذا تم لنا هذا ، نمضي مباشرة ودون تردد ، إلى الإصلاح السياسي .. وهل الإصلاح السياسي ، إلا فتح المجال ، أمام كل الجزائريين دون إقصاء أو تمييز ، ليمارسوا حقوقهم المدنية كاملة غير منقوصة ؟..
وهل الإصلاح السياسي ، إلا تنظيم انتخابات شفافة حرة ونزيهة ، نتعرف من خلالها ، على النخب الحقيقة ، التي يختارها الشعب السيد ، عن طواعية ورضى ، لتمثله وتتكلم باسمه داخل مؤسسات الدولة ، أين تشرع القوانين ، وتدرس المشاريع ، ويتم الحل والعقد  ؟.
حين إذ سيدي الرئيس .. يكون قطار الجزائر ، الذي ينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة ، قد وضع فعلا على السكة الصحيحة .. ذلك ، لأن الحلول التي احتار النظام المهترئ التائه في الوصول إليها ، بهدف القضاء على المشاكل والعراقيل ، التي دمرت وعفنت ، المنظومات التربوية والإدارية والإقتصادية والقضائية ، وخربتها ، ستصبح من تحصيل الحاصل .. لأن التنافس الشريف الجاد ، بين النخب التي يفرزها المجتمع ، هو الطريق الأقصر ، والسبيل الأسلم ، للوصول إلى الرأي السديد ، والأسلوب القويم ، والعمل الصواب ، في تصحيح وتحسين كل مناحي الحياة .

السيد الرئيس ..
... إن بلدا كالجزائر .. يستحق أن يكون أحسن بكثير مما هو عليه ، بل يجب أن يكون الأحسن والأفضل .
وإن الشعب الذي لا يبالي بالمخاطر والمحن ، ولا يعد قتلاه في سبيل الله دفاعا عن العرض والوطن ، ويصبر إلى أن يمل الصبر منه في مقاومة المآسي والفتن .. إن شعبا هذه صفاته ، لجدير بالاحترام والتقدير ، وأهل للسيادة والتسيير .

وإذا كانت الحقيقة كما وصفنا ..
.. دعونا نخاطبكم بأسلوب الآباء والأجداد .. أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، ( ونخزيو الشيطان ، ونلعنوا بليس ، ونخافوا ربي ) ، ونتوكل على الله قيادة وشعبا ، ونمضي معا ، اخوة متحدين متحابين ، لنحدث التغيير الحقيقي ، الذي انتظرناه طويلا .. التغيير ، الذي يحقق حتما ، الاستقلال الكامل والشامل ، ببناء الدولة النوفمبرية السيدة ، التي حلم بها الشهداء .
فإن أبيتم .. لا سمح الله  ولا قدر .. إلا التعنت والعناد ، وركوب الرأس .. فسيكون حتما ، اختلاف كثير .. وسنفترق افتراقا غير محمود ، وسيقع ما يقع ، ونسأل الله العفو والعافية .

ولن نسامحك أبدا سيدي الرئيس .. وسنحملك بعدها ، مسؤولية كل مال ينهب ، وكل مؤسسة تحرق ، وكل نفس تزهق .. لن نسامحكم .. لأننا دفعنا الكثير والكثير ، من أجل وقف الانتحار الجماعي ، والعودة بالجزائر من بعيد ، إلى دار الإيمان ، وبر الأمان ، وشاطئ السلام .

سيدي الرئيس ..
.. نحن لا نكرهك .. ولا نعاديك .
إنما هي الأخوة في الدين ، والرابطة في الدم .. والشفقة والمودة .. والعمل بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم :
              ( أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قالوا : ننصره مظلوما ، فكيف ننصره ظالما ، قال : أن تمنعوه من الظلم ) .

.. وقد فعلنا ، ونسأل الله القبول .
       ﴿ فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد ﴾
                                                                                          أخوكم ..
                                                                                                    مدني مزراق