تساؤلات وقناعات ونداء

هذه مساهمة ، بعثنا بها إلى جريدة الخبر الأسبوعي ، نشرتها في الأسبوع الأول من شهر جوان 2010 .

                                               بسم الله الرحمن الرحيم

ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال ، ترقبا مني ، لتحرك مفيد من قبل القائمين على تسيير شؤون الدولة ، يسمح بانطلاقة جديدة ، تعيد للدين مكانته ، وللشعب حقه وكرامته ، وللوطن مجده وأمنه .. ولما أنهيت المقال ، كان علي لزاما ، أن أنتظر صحو ة الشعب من سكرة الجلد المنفوخ .. لكن أوقات الذل والهوان ، و الحقرة والظلم ، التي عشناها نهار أمس ، ونحن نشاهد مسلسلا تلفزيونيا ، بالصورة والصوت على المباشر ، حيث تفنن فيه الصهاينة و أبدعوا ، في إذلال العرب والمسلمين وإهانتهم .. هذه الاوقات العصيبة ، جعلتني أغير رأيي ، فقررت نشر هذا الخطاب ، أواسي به نفسي وأبرأ ذمتي وأبكي به الشهداء .. هذا الكتاب وإن كان موجها للحكام في بلدي ، فهو صالح لكل حكام العرب والمسلمين ، أنشره بدافع الحب والغيرة على وطني وأمتي ، وبدافع النصح والهداية لحكامنا وشعوبنا .

                                             تساؤلات وقـناعات ونداء

في كل مرة أخلو فيها إلى نفسي ، وأجول في مختلف أنحاء الحياة بفكري ، وأحاول أن أفهم المتناقضات التي يعيشها رغما عنه وطني .. إلا وأمطرني العقل بأسئلة ، تثير حفيظتي وتهز كياني ، لتجلدني الحقيقة بعدها بأجوبة ، تحرك همتي وتأسر اهتمامي ، وتنير دربي وتقوي عزمي ، على مواصلة النضال ..

يقول العقل :
     عجبا للجزائر .. كيف يخرجها الإسلام من ظلمات الجاهلية ، إلى نور اليقين والعلم والإيمان ، ويصنع مجدها وعزّها ثم تتنكر له ؟!!
    عجبا للشعب الجزائري .. كيف تحل العربية عقدة لسانه ، و تزين بمفرداتها ومعانيها كلامه ، وتثري بدررها بيانه ، وتشرفه إذ اختارها الله ، لغة القرآن ولغة أهل الجنة ، وترفع من مقامه ، ثم يقبل بإهانتها وإذلالها في عقر داره  ؟!!
     عجبا لمجاهدي ثورة التحرير المباركة .. كيف تصنع كلمة الله أكبر قوتهم ، فجندوا تحت لوائها شعبهم ، ووحدوا بها صفوفهم ، وحرروا بفضلها بلادهم .. كيف يقبلون بما آلت إليه الأمور في وطنهم .. إذ أصبحت كلمة الممسوخين العملاء هي العليا ، وكلمة الذين آمنوا من المجاهدين والوطنيين الأوفياء هي السفلى  ؟!!
    لماذا يتهم في بلدي ، كل متمسك بدينه ، محب لوطنه ، معتز بقيمه ، مفتخر بأمجاده ، بالرجعية والظلامية تارة ، والتطرف والإرهاب تارة أخرى ؟.. فيما ينعت ويوصف التائهون والخونة ، بالمتقدمين والنيّرين وأبناء المجتمع المفيد ..
    هل يكون الحكام الفعليّون حقا ، وكما يروج عنهم ، ليسوا من أبناء الجزائر ؟.. أم أنهم من بني جلدتنا  ويتكلمون بألسنتنا ويعيشون بيننا ، لكن قلوبهم وعقولهم وولاءهم ، هناك وراء البحر ، عند الأم الحنون والسيدة المصون ، فرنسا الاستعمارية عدو الأمس واليوم ؟.
    شخصيا ، كنت أشك في هذا .. أنا الذي ولد في جبال احتضنت الثورة ، وعشش فيها الثوار .. وتربى في صفوف الكشافة الإسلامية ، وشارك في الحملات التطوعية ، وتوقف عن الدراسة بسبب معركة التعريب ضد هيمنة لغة الاستعمار .. أجد نفسي اليوم ، وبعد التجارب القاسية التي عشتها ، أنظر بكثير من الريبة والشك ، لمن يتحكمون في مصير البلاد ، ويسيرون شؤون العباد .
    أما عندما يتعرض وزير المجاهدين للتوبيخ في بلاد الشهداء ، فقط لأنه انتفض في وجه الذين صوتوا لصالح قانون تمجيد الاستعمار ، وحذر من توجهات ساركوزي الصهيونية ، فإن هذه الشكوك تبلغ ذروتها ، وتفرض منطقها .. لكن لما نسمع كوشنير يصرح متحديا ومؤكدا ، بأن قانون تجريم الاستعمار لن يمر في البرلمان ، ثم يغرق من وبخوا الوزير بالأمس ، في صمت كصمت القبور .. فإن كل الشكوك تصبح حقيقة لا جدال فيها .
كيف لا .. ونحن نسمع تصريحات متتالية ، لمسؤولين متعاقبين في الدولة ، من رؤساء ووزراء ونواب ، يؤكدون من خلالها ، أن موقعهم في معادلة الحكم المعقدة ، كان مجرد " خضرة فوق عشاء".
كيف لا .. وأنا كلما سألت المعارف والأصدقاء ، من رجال الجيش الأقوياء منهم والضعفاء ، إلا وأجابوا بأنهم ليسوا وحدهم ، وأن الأمور تتجاوزهم ، وهم يحاولون جهدهم في تحقيق الممكن .
كيف لا .. وأنا كثيرا ما قرأت لكبار الساسة ، والأساتذة المحللين ورجال القانون ، حوارات ومقالات ، يطرحون فيها سؤالا كبيرا ، عمن يخطط ويشرع في الجزائر ، ويكادون يجزمون ، أن هذا الأخير لا يمكن أن يكون جزائريا .

وأمام هذا الوضع القاتم ، والنفق المظلم ، والسير نحو المجهول ، كما صرح المجاهد الرئيس علي كافي .. قررت أن أكتب هذا الخطاب .

إلى المتسلطين على رقاب الشعب في جزائر الإسلام والشهداء :
سلام على من اتبع الهدى ..

.. أيها الغرباء الذين نجهل منبتهم .. ولانعرف وجهتهم .
أيها الدخلاء الذين فعلوا في الجزائر فعلتهم .
أيتها الأشباح .. داخل العلبة السوداء .. من خصومكم ؟.. من أعداءكم ؟.
اللصوص والمرتزقة ؟!. أنتم من يرسم لهم خارطة الطريق .
المفسدون والمخربون ؟!. تلامذة نجباء في مدارسكم .
الدمويون والقتلة ؟!. فيروسات أنتجتها مخابركم .
العملاء والخونة ؟!. هم سكان مدينتكم الفاضلة ، ونخبة مجتمعكم المفيد .

أيها الحكام الفعليون :
أنتم الداء الذي احتار في علاجه الأطباء ..
أنتم الطلسم الذي عجز عن فكه الحكماء ..
أنتم اللغز الذي استعصى حله على العلماء ..
أنتم الكابوس الذي يعذب الشعب ، ويقض مضاجع الشرفاء ..
أنتم علة العلل ، التي نخرت كيان الدولة ، وأجهضت مساعي النزهاء ..
أنتم الجزائر الديغولية ، التي حرفت مسار الثورة ، وقضت على أحلام الشهداء .

قولوا لنا .. كم يلزمكم من الشهور والأعوام ، حتى تعلموا أنكم في ظلمات الاستبداد والظلم تعمهون ؟.
كم يكفيكم من المال والملذات والشهوات ، حتى تقلعوا عن إتيان الحرام وفعل المنكرات ؟.
كم يقنعكم من مسيرات ومظاهرات واحتجاجات ، حتى تفهموا يقينا رسالة الشعب الذي رفضكم وأعلن الطلاق مع حكوماتكم ؟.
كم تبلغ فاتورة التخريب والتدمير ، التي تدفعكم إلى الإنسحاب من مواقعكم ؟.
قولوا لنا .. كم يجب أن تسيل الدماء .. وتذرف الدموع .. وتحفر القبور .. كي ترتدعوا ، وترفعوا أيديكم عن بلد جريح ، قد طال ليله وتأخر فجره ، واشتاق إلى نور الفرج ، ليطمئن ويستقر .. فيزدهر ؟.
أخبرونا .. عن الثمن الذي يجب أن يدفع ، كي تفسحوا المجال أمام الصالحين والأطهار ، من النخبة الحقة ، التي يختارها الشعب السيد ، عن إرادة وطواعية ورضى ، لتحكم البلاد بالحق ، وتسوس العباد بالعدل ، وتسأل عما تفعل ؟.
أخبرونا وارحمونا .. قبل أن يُفقدَ الصواب .. وتطيشَ العقول .. وينطقَ الجنون .

فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا .. لأنكم إلينا لا تنتمون ، ولمعاناة الشعب لا تأبهون .. فإننا سنستمر في مواصلة الصراع ، كحق مشروع في مواجهتكم ، والتصدي لمخططاتكم ومؤامراتكم ، مع كل الخيرين أينما وجدوا ، ومهما كانت مواقعهم .. 
نفعل ذلك ، على ضوء تعاليم الإسلام ، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
إسلام .. واضح بين .. ساطع كالشمس في كبد السماء .. متزين بالحلم والكرم والسماحة والمحبة ، وهي طباعه وأصله .. وبالصدق والحكمة والحوار والسياسة ، يقنع الآخرين ويتعايش معهم ، وتلك وسائله .. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، فأسلحته .. يردع بها أهل الظلم والطغيان المتغطرسين ، ويعيد حقوق المستضعفين المغصوبة ، ويشيع الأمن والسلام والحرية بين الناس كافة .
شعب الجزائر مسلمولسوف يحيا مسلما
ما خان يوما وعدهأو خان دينا قيما
إن قيل من لله قالأنا لها وتقدما
لبيك يا دين الهدايةكلنا نفدي الحمى
وبالوطنية التي تشبعنا بقيمها في مدرسة الأحرار ، عزمنا على مواصلة النضال .. 
الوطنية .. التي تعني حقا وصدقا ، الإنتماء لهذا الشعب والتضحية من أجل الوطن ، والوفاء للآباء والأجداد ، بالعمل دون كلل ولا ملل ، لتجسيد مبدأ نوفمبر الخالد ، الذي ينص صراحة ودون لبس أو غموض ، على إقامة ( دولة جزائرية مستقلة ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية ) . 
عهد.. وقعه بالدم الأحمر الفوار .. بن بولعيد وبن مهيدي ، وسي الحواس وديدوش ، وزيغود وعميروش ، ومليون ونصف المليون من الشهداء ، بل أكثر ، قدمهم الشعب الجزائري ، خلال عشرات السنين من الصبر والتحمل والمقاومة .
تضحيات ومآس ودماء ، تفرقت في ربوع هذا الوطن الكبير ، لتجمعه كتلة واحدة ، قوية متماسكة ، يستعصي شقها على الأعداء ، والمتربصين العملاء .
لابن باديس دعائيلابن بولعيد وفائي
فهما رمز انتمائيوحدتنا الله أكبر
أنت فينا يا نفمبرنبع إيمان تفجر
كل حين تكررهاتفا الله أكبر
يابلادي ياجزائرأنت ميلاد البشائر
شعبك المسلم سائرنحو وعد الله أكبر
يافرنسا ما نسينابصمة الجلاد فينا
فخذي منا اليقيناسوف نعلي الله أكبر
أما أنتم .. يامن تلقبون بالرؤساء والوزراء ، والعقداء والعمداء والقضاة ، وأنتم أعجز من أن تقروا معروفا ، أو تنكروا منكرا ، في حدود صلاحياتكم التي خولكم إياها الشعب المقهور . 
يامن صح فيهم قول الشاعر :
مما يُزهِّدُني في أرض أندلسٍسماعُ مُقتدرٍ فيها ومُعتضِدِ
ألقابُ مملكة في غير موضعهاكالهرِّ يحكي انتفاخا صولةَ الأسدِ
وحتى لا تقولوا لنا يوما كمن سبقكم ، لقد كنا "خضرا فوق عشا " ، وتلقوا باللائمة على حزب فرنسا ، فاليوم قبل الغد ، إما أن تكونوا أو لا تكونوا ، إذ أنه :
لا شيء أقبحُ من فحل له ذكرٌتقوده نخبة ليست لها ذممُ
ساداتُ كلِّ أناسٍ يخدمونهمُوسادةُ المسلمين لأعدائهم خدمُ
أغاية الحكم أن تخصوا شُعُوبَكُمُيا نخبة برئت من فعلها القيمُ
أغاية الدين أن نحفي شواربنايا أمة سخرت من حمقها الأمم
أيها الحكام الصوريون .. عودوا إلى أنفسكم فصارحوها .. وانظروا إلى بطانتكم فاعرفوها .. من هي؟ ومن تكون؟ .. وصححوا أخطاءكم قبل فوات الأوان ، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة ، وأقبلوا على شعبكم بالنية والصدق ، واحكموه بالعدل ، يسعد بكم وتسعدون به ، ونحيا جميعا في خير وأمان .
أيها الحكام .. كونوا أحرارا أبناء أحرار ، وثوارا أبناء ثوار ، تثبتوا وجودكم ، ويتحرر قارركم ، و تعود سيادتكم .
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُوتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتعظمُ في عين الصغير صغارهاوتصغر في عين العظيم العظائمُ
أيها الجزائريون .. وأنا واحد منكم .. توبوا إلى بارئكم ، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾..
اللهم اجعلنا هادين مهديين ، غير ضالين ولا مضلين ، سلما لأولياءك حربا على أعداءك ، نحب بحبك من أحبك ، ونعادي بعداوتك من عاداك ، اللهم إنك قلت وقولك الحق ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ .
ربنا أعنا على التغيير بالطريقة التي ترضيك ونقدر عليها ، ربنا عليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك المصير .
                                                                                   أخوكم .. مدني مزراق