حقائق ومواقف في بلاغات

.كتب هذا البلاغ في الجمعة 15 جويلية 2011م الموافق لـ 13 شعبان 1432هـ . وأرسل إلى الصحافة، ونشر في هذا الموقع بتاريخ 17 جويلية 2011م.

البلاغ الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾

.. رغم أني أعرف جيدا أنّ الذي يصنع الأحداث ويتحكم في مجرياتها، يستطيع وبكل سهولة تحديد الأهداف المسطرة والإنتصار على الخصوم والمنافسين، ذلك لأن الذي يصنع الحدث يسمى متبوعا، والذي يجري وراء الحدث يسمى تابعا. والتابع يتبع المتبوع من حيث يدري أو لا يدري..

رغم أني أعرف هذا، فقد وجدتني هذه المرة مجبرا على الإستجابة للإستفزاز الخطير الصارخ ، الذي قام به النظام الذي لاعهد له ولا ميثاق ، وروجت له الأبواق الناعقة من التيار الفرونكوفيلي العميل التي عودتنا بخرجاتها المشبوهة ومقالاتها المسمومة ، التي تعود بها دوما إلى النفخ في رماد الفتن، كلما لاح بصيص من الأمل ، أو سنحت فرصة لخروج الجزائر من أزمتها والأمة من محنتها.

وجدتني مدفوعا لكتابة هذا البلاغ.. لأننا انتظرنا ردة الفعل عند السلطة الحاكمة، التي عوّدتنا على تحريك القضايا النائمة، عن طريق النائب العام، كلما تكلّم إسلامي مطالبا بحقه أو تحرك معارض مندّدا بتجاوزات رجال النظام وأعوانهم.. وانتظرنا أن يتكلم رجال القانون والمدافعون عن حقوق الإنسان ، الذين عرفناهم يملؤون الدنيا صياحا وعويلا ،كلما تعلّق الأمر بانتهاك أو مسّ بكرامة الأفراد والجماعات.. وانتظرنا أن يصرّح الساسة ، ويكتب الإعلاميون وتنشر الصّحف، الذين صفّقوا للإنقلابيين ضد إرادة الشعب السيّد، وجعلوا من قتل الإسلاميين الفائزين وانتهاك أعراضهم، واجبا وطنيا يحمي الطابع الجمهوري للجزائر-وكأنها ولاية فرنسية. وبالمقابل ، أطلقوا كل النعوت والأوصاف المشينة، من إرهاب وإجرام وغيرها على أبناء الشعب المقهور و الذين فرّوا بجلودهم من زبانية النظام حفاظا على حياتهم، ودفاعا عن حقّهم، وإيمانا بربّهم...

..الساسة ذاتهم.. والإعلاميون أنفسهم.. والصحف بعينها.. قالوا وكتبوا ونشروا عن القذافي ومبارك وبن علي والأسد وصالح: ’’أنهم طغاة قتلة، وحكام فاسدون.. بينما نعتوا ووصفوا المقاتلين بليبيا والمحتجّين في البلدان الأخرى بالثّوار والمنتفضين الأحرار...!!!

سبحان الله العظيم .. ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ .. عجبا لأمر هؤلاء، كيف يجعلون من يحترم الدّستور، وينتصر في الإنتخابات بسلاح الديمقراطية، وإرادة الشعب السيد، ارهابيا ومجرما إذا انتفض وأصرّ على المطالبة بحقّه، في الوقت الذي يمجّدون ويهتفون ويسمّون من انتفض لأبسط الأسباب وربما تحرك بإيعاز أو بمهماز ثائرا ومناضلا من أجل الحرية والديمقراطية – أقول هذا مع احترامي ومحبّتي لكل من ثار في وجه الطغيان مهما كان دينه أو أصله أو لونه.

.. تشابه البقر على قوم موسى .. واختلط الحابل بالنابل .. وضاع الحق في دهاليز الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

نعم .. وجدتني مجبرا للعودة قليلا إلى الوراء، ونكأ الجراح مجددا .. ليس بغرض تعذيب المريض والشماتة في أهله كما يفعل غيرنا من أعداء الله والوطن .. ولكن بهدف تنظيف الجرح في كل مرة ، حتى يتماثل المريض للشفاء ويتعافى نهائيا.. لأن ترك الجراح على حالها ينتهي بها إلى التعفن. والتعفن المستمر ، ينتج الأمراض الفتاكة التي لا تبقي ولا تذر.

 وجدتني مجبرا على فعل هذا ، وأنا أقرأ حوارا نشرته جريدتا الوطن ومساء الجزائر الناطقتين بالفرنسية بتاريخ 09 جويلية 2011م الموافق لـ 7 شعبان 1432 ه.

حوار .. لمجرم جبان ، وقاتل حاقد ، مع سبق الإصرار والترصد، ومفتر كذاب، ومريض لا يشفيه إلا قول الله عزوجل ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما﴾

نعم .. بعد عشر سنوات قضاها في السجن ، لم يحاسب فيها نفسه، ولم يراقب فيها ربه، فأظلم بالحقد والضغينة قلبه.

خرج علينا ليحكي لنا في نذالة وحقارة .. وشماتة صارخة ..كيف قتل الرّجل الشريف الطاهر الداعية ابن المسجد، المهندس البيطري، المنتخب في البرلمان ومن الدور الأول، الشيخ الشهيد علي مراد تقبّله الله في الصالحين.

اسمعوا إلى المجرم وهو يبتجح قائلا:

’’تقدمت نحوه وهددته بسلاحي، وكشفت عن وجهي ليعرفني، ثم قلت له: ’’أنت قاتل وتستفز الشعب، وتتجرأ على التبختر أمامنا واحتقارنا.‘‘ أمرته أن يشرح الأمر، أصابه الرعب، فلم ينبس بكلمة. فصرخت : ’’تحيا الجزائر.‘‘ وأطلقت الرصاص باسم الشعب الجزائري ودم الشهداء .. ثلاث رصاصات حارقة في الصدر .. سقط .. أفرغت خزان الرصاص في جسده .. لا أحد كان يعلم من أكون .. سحبته إلى فتحة المجاري .. ألقيت بجسده داخلها، حتى لا يجري دم الإرهابي على أرضنا...؟؟؟؟؟!!!!!‘‘

هذا ما فعله البطل المغوار ..برجل مؤمن أعزل ..أمام الملأ وفي وضح النهار  .. فعل هذا وهو يتحدى الدولة الجزائرية وقراراتها .. ويتحدى الشعب السيد الذي صوت على الوئام المدني بالأغلبية الساحقة ..

وبعد ما أخذت العدالة مجراها الطبيعي وحكم عليه بالإعدام. هاهو يستفيد من عفو رئيس الجمهورية، الذي صرح مرارا وتكرارا في الحملة الإنتخابية وفي الخطابات الرسمية، وهو يقدم الضمانات لأمثال الشيخ علي مراد:

’’إذا قبلتم الصلح والتصالح، وتوقيف القتال نهائيا .. لن أسمح أن يصل إليكم أحد إلا إذا مرّ على جثّتي.‘‘

لكن، و مع الأسف .. قُتل الحاج علي أمام الشهود العيان ..بتلك الطريقة الشنيعة الجبانة  .. ولم يتكلم الرئيس  .. ولم يعلق على الحدث حتى.. ولم يقدم التعازي .. ولا ارسل من يمثله .. رغم أن مدينة سوق أهراس أُغلقت عن آخرها يوم جنازة الفقيد. وحضر الناس من كل حدب وصوب، وكتبت الصحافة وعلّقت .. ولم يبق إلا أمر واحد أراده أعداء الله والأمة.. ولم يحصل .. رجوعنا إلى الجبال والقتال مجددا، وكذلك الإنتقام ..

..يحصل هذا في الوقت الذي يحرم المساجين من أنصار الجبهة الإسلامية ، وبأمر من الرئيس ، حق الإستفادة من العفو الرئاسي ، لأن أحدهم رفع شعارا ، أو شارك في مسيرة ، أو آوى وأطعم فردا من المنتمين إلى الحركات المسلحة .

هذه هي دولة المصالحة الوطنية ، وشعار لاغالب ولامغلوب ...لاإله إلا الله محمد رسول الله .

وإن تعجب فعجب قول الجاني: ’’لما قتلته –يقصد الشيخ علي- خرجت نساء الحي إلى الشرفات وهن يطلقن الزغاريد ويصرخن ’’تحيا الجبهة الإسلامية للإنقاذ.‘‘فأطلقت عيارات نارية في الهواء وأنا أصرخ ’’تحيا جبهة التحرير الوطني.‘‘       

.. و الحق ما شهدت به الأعداء . صدق الله العظيم ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾

.. بعد سنوات الحرب والمحنة .. والكذب والزور والبهتان وتشويه الحقائق .. تفاجأ المسكين أن الأحياء الشعبية برجالها ونسائها لا زالوا يحلمون ويحِنّون إلى أيام الجبهة الإسلامية للإنقاذ...

.. ثم يخرج علينا أشباه السياسيين من وراء شاشة اليتيمة ليقولوا وبكل ’صحّان الوجه‘ إن الشعب قد أقصى تيار الجبهة الإسلامية من العمل السياسي ..

و إذ نحتفظ بحقنا في الرجوع لهذه القضية وتحريكها في أي وقت ...

فإنني أتوقف هاهنا، مكتفيا بهذا القدر في صفحات هذا البلاغ.. لأن الحديث عن هذه القضية ذو شجون، والإسترسال فيه يبعدني عن ميدان المعركة الحقيقة.. معركة التغيير والإصلاح.. التي نسعى من وراء خوضها، كشف مؤامرات ودسائس اللوبي الكولونيالي العميل.. ومن ثم، إزاحته من المواقع الحساسة التي اختبأ متخندقا فيها، داخل دهاليز النظام المظلمة.. ليتسنى لنا، المضي قدما مع كل شريف نحو دولة الحق والقانون، في الجزائر الحرة المستقلة السيدة.

نعم.. إنه ’حزب فرنسا‘ عدو الجزائر القديم الجديد المتجدد.. فهو وحده، وليس غيره من يقف وراء كل البلاوي والكوارث التي لحقت وتلحق بالشعب الجزائري المسلم.. هذا الشعب المقهور، الذي يتابع هذه الأيام ورغم أنفه، عمليات الإنزال الفرنسية –على أرض الشهداء- لمسؤولين استعماريين من أصول يهودية.. ومما يزيد في عذابه ويدفعه للموت حسرة وكمدا، رؤيته لهؤلاء المستعمرين وهم يتبخترون ويتسردكون أمام كبار المسؤولين الجزائريين الذين يستمعون إلى نصائح الأعداء وكأنها أوامر من أسياد..

آه...آه...ثم آه... ليت الشهيد يعود يوما ... فأخبره بما فعل العميل.

مدني مزراق