بيان ختامي

هذا هو البيان الختامي لحلقات حصة ’الحلقة المفقودة‘ المذاعة على قناة الشروق، ينشر هنا يوم يوم 12 جويلية 2013م

                                                 بسم الله الرحمن الرحيم

في أرض الأباء والأجداد .. وفي وطن الشهداء والرجال الأفداد .. في الجزائر .. ولدنا ، ونشأنا ، وترعرعنا ..
من صدور أمهاتنا ، رضعنا حليب الإيمان والمروءة وحب الأوطان .
ومثلما كان أباؤنا ، كنا .. ومثلما فعلوا ، فعلنا .. ومن شابه أباه فما ظلم .
رفضوا الذل والهوان ، وحاربوا الظلم والطغيان ، وحرموا التعاون على الإثم والعدوان .. مع القريب قبل البعيد .. وسالموا ، وصالحوا ، وتعاونوا على البر والتقوي .. مع العدو ومع الصديق .. مبدؤهم وشعارهم :
من كان يبغي ودنافعلى الكرامة والرحب
أو كان يبغي ذلنافله المهانة والحرب
هذا نظام حياتنابالنور خط وباللهب
نعم .. بالمبادئ ذاتها ، سلكنا طريق الدعوة إلى الله ، وساهمنا بقوة في أخلقة المجتمع .. وعلى أساسها ، ناضلنا سياسيا في حزب معتمد وفق دستور البلاد ، ونصرنا الله بشعبنا المسلم.. وعلى ضوئها وبقيودها ، قاتلنا دفاعا عن أنفسنا وأعراضنا ، كما نصت عليه الأديان السماوية ، وأقرته القوانين الدولية ، وتعارف عليه بنو الإنسان ..
 .. فعلنا ذلك مضطرين لا مخيرين ، لما انقلب علينا الإستئصاليون ، وأجبرونا على حمل السلاح . . والشر بالشر والبادئ أظلم . .
ثم فرضت الحرب منطقها ، والحرب هي الحرب ، يبعثها القوي تجبرا وتكبرا ، وينأى بكلكلها الضعفاء التعساء ، وهي كما قال حكيم العرب :

وما الحرب إلاماعلمتم وذقتموماهو عنها بالحديث المرجمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةًو تضر إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحا بثفالهاوتلقح كشافا ثمّ تنتج فتتئم
فتنُتج لكم غلمان أشأم َكُلّهمكَأحمرِ عاد ثمّ ترضع فتفطم
... وفعلا فقد أخطأت حسابات الإنقلابين ، ولم تنتهي الإضطرابات خلال ثلاثة أشهر كما ظن كبيرهم ، بل تسارعت الأحداث وتعقدت ، وتطورت الأوضاع وتعفنت ، وغرقت الجزائر قي مستنقع حرب ، الرابح فيها خاسر والمنتصر فيها منهزم والغالب فيها مغلوب .. وكان يجب علينا القيام بأمر ما لإنقاذ مايمكن إنقاذه ، فقررنا أن نتعاون مع الخيريين في أي موقع كانوا ، وكان التوفيق والتأييد من الله عز وجل ،  ففرضنا الحوار والسلم ، ودخل الناس في المصالحة أفواجا .. والخير بالخير والبادئ أكرم .
وكان الوئام ، فكان السلام .. وكان الأمن ، فعم الأمان ... ثم دارت الأيام دورتها .. فنقضوا العهد ، وأخلفوا الوعد ، وعادوا على أعقابهم ينكصون .. وأباحوا لأنفسهم ولمن سار في ركبهم كل شيء .. وحرمونا ومنعوا من كان في صفنا أو تعاطف معنا من كل شيء .. إلا الماء والهواء ، كما قال رئيسنا ذات يوم وزل به اللسان ، غفر الله له وشفاه وأعاده سالما إلى أهله ومأواه .. وتوقف قطار المصالحة في أول الطريق وذهب مشروع العفو الشامل أدراج الرياح ، واعتمد قاموس الخزي والعار من جديد ، وعادت مصطلحات الفتنة والتمييز العنصري ، وفاحت جرائدنا وخطابات ساستنا ومسؤولينا بروائح الكذب والنفاق الكريهة ، فزكمت الأنوف ، ولوثت الأجواء ،  ودقت طبول الفوضى والخراب ، وكادوا أن يورطونا في الحرب من جديد .. لكن الله سلم .. ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَ الله ﴾ .
.. ورغم هذا .. فقد صبرنا وصبرنا واصطبرنا .. ولم نتوقف عن التذكير بالعهد المأخود ، والاتفاق المبرم الذي تم بين الرجال والرجال ، ولم نبخل بالنصح وطرح الحلول والبذائل ، في كل مرة كان يجب علينا فعل ذلك ، ولم نسكت عن الجهر بالحق والدفاع عن الشعب ، في كل تصريحاتنا وبياناتنا المتعاقبة ...

ونحن كذلك .. إلى أن جاءت إلينا الشروق ، وعرضت تصوير هذه الحلقات المسلسلة الطويلة .. إعتذرنا في أول الأمر فأصروا .. وعاندنا بعد ذللك فألحوا .. وتهربنا فسدوا علينا كل المنافذ والأبواب ...
... وبغض النظر عن الخلفيات والدوافع والحسابات ، فقد شعرت بأن إدارة الشروق قد نصّبت لي منبرا إعلاميا كبيرا ، يصل مدى صيته إلى مختلف مدن الجزائر وأريافها وقراها ، ويتعداها إلى البلدان العربية والإسلامية ، بل يبلغ جهات العالم الأربع عبر الشبكة العنكبوتية .. هذه الأخيرة التي تمثل مساحة حرة ، لا رقيب فيها ولا حسيب ، إلا نداء الضمير الحي ، والخوف ممن يعلم السر وأخفى ، ويطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور... مساحة ، سهّلت على بني الانسان ، ليتعارفوا بينهم ، ويتعلم بعضهم من بعض ، فيأخذوا الصحيح الصالح ، ويتركوا الخبيث الطالح ، ويتحقق فيهم قول الحي القيوم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ..
مساحة ، أتيحت لنا بفضل معجزة الله الناطقة في الأرض ، هذا العقل البشري المبدع ، الذي روّض المادة وسخرها ، وحللها فكشف بعض أسرارها ، وبالبحث والتدقيق في علوم التكنلوجيا ، قرّب البعيد وطوّع الحديد ، وجعل الصلب الثقيل مركبا في السماء يطير ، وسفينة عظيمة كقرية في عباب البحر تسير ، ونافس الجن في سرعة نقل الخبر ، وتقليب البصر ، وألاعيب الصور ، وعدد ما شئت من الاكتشافات والاختراعات ، التي ينسينا اللاحق منها في السابق .. فسبحان من خلق الانسان ، وعلمه البيان ، وألهمه العلوم ، ولقّنه الأسماء كلها ﴿ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ .

وأمام هذا العرض المفيد ، الذي تفضّل الله به علينا ، تبيّن لي جليا ، أن الشروق قد ألزمتني الحجة ، ولم تترك أمامي بابا أخرج منه ، أو منفذا أتسلل عبره ، أو مهربا أنسحب من خلاله ، إلا قبول العرض وتلبية الدعوة .. فكان لهم مني ما طلبوه ، ووافقت على تصوير الحلقات ، وتسليط الضوء على سنوات مهمة من حياتي :
- مرحلة الطفولة والتحصيل الدراسي  -  مرحلة الدعوة والنشاط في صفوف الحركة الإسلامية  -  مرحلة العمل السياسي والنضال في صفوص الجبهة السلامية للإنقاذ  -  مرحلة الصراع المسلح  -  مرحلة المفاوضات وتوقيف القتال ...

فكان هذا الحوار على السجية ، دون مسوح أو لبوس ، عفويا  صريحا ، لاتكلف فيه ولاغموض ، مع شيئ من نرجسية الجزائريين ...
.. حوار هادئ معقول تارة ، وغاضب مشحون أخرى ، وساخن مجنون في بعض الأحيان .. نطق فيه اللسان وأبان .. وأفصح العقل فيه بالدليل والبرهان ، وعبرت الأيدي بحركاتها ، وتكلمت العيون بنظراتها ، وسمعت الآذآن ، وفهمت الأذهان ...
    حوار .. تعددت خلاله الصور والمشاهد ، وتباينت فيه الطروحات والمذاهب ، وتنوعت فيه الأساليب والمناهج ، وتبرجت الحقيقة وكشفت عن خباياها ، وفرض الصدق نفسه حاكما وسيدا ، وكان مرا في حلاوته ، حلوا في مرارته ، لينا في حدته ، رحيما في قساوته .. نكأ الجراح ونظفها لتشفى ، وحرك الأوجاع والآلام ليواسي أصحابها ويطمئنهم ، وحدد الأخطاء والمسؤوليات لينصف المظلوم من الظالم ، ويفرق بين المسلم والمجرم  والصالح والطالح ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ .
    وتبين فيه لكل من له مسكة من عقل ، أوأثارة من علم ، حقيقة المتعالمين الذين لا يفرقون بين العالم والمتعلم ، والجاهل والأمي ، والمثقف وصاحب الشهادة ، وبين علوم الدنيا وعلوم اللآخرة ، فحق فيهم قول الله عز وجل ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ .. ذلك أن عقولهم ومداركهم ، وقفت بهم عند الأشكال والمظاهرالخداعة ، و لم تجرؤ على الغوص في أعماق الوقائع و الأحداث ، وكشف الحقائق الساطعة اللماعة ..
    لذلك جانبوا الصواب ، وأفتوا بالخطإ ، وأباحوا للإنقلابيين قتل المؤمنين الصالحين أين ما كانوا ، في أعمالهم قائمين ، أو في مساكنهم آمنين ، أو داخل بيوت الله ساجدين .. أباحوا لهم ذلك بحجة المساس بالأمن ، وتهمة الإرهاب الذي هم أصحابه وأهله .. في الوقت الذي أنكروا وحرموا على أبناء الشعب المقهور ، الذين فروا بجلودهم خوفا على حياتهم وأعراضهم ، أن يدافعوا عن أنفسهم ، بحجة أن قتل المسلم حرام ، وأن حرمته عند الله أعظم من حرمة الكعبة .. فسبحان الله العظيم القائل ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ .
   كما ظهر جليا لكل منصف يبحث عن الحقيقة ، زيغ و ضلال وتلون تجار الحروب الدمويين ، أصحاب الفكر العدمي ، الذين أباحوا قتل النساء والولدان ، وبرهنوا بأقوالهم وأفعالهم على مرئى ومسمع كل شعوب العالم ، عبر الشاشات الفضائية ، التى حجزت لدعاة وعرابي هذا التيار ، مقاعد بأسمائهم .. هؤلاء الأدعياء ، الذين خونوا وظللوا الجيش الإسلامي للإنقاد ، لما اختار الحوار والصلح ، وقرر توقيف القتال وحقن دماء المسلمين ، وصنع السلم وأفشى السلام .. هاهم اليوم يجرموننا ظلما وعدوانا ، ويرفعون شعار اللاعنف والدفاع عن حقوق الإنسان ، زورا وبهتانا ... ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ .

والآن وقد توقفت الحلقات ، واختفت معها الأسئلة المستفزة ، وسكت عن موسى الغضب ، وهدأ العقل واطمأنت النفس ، ونزلت السكينة .. جاء دور القلب ، ليخاطب الضمائر الحية المؤمنة ، والعقول المسؤولة النيرة ، بنبرة رقيقة في قوتها ، مؤثرة في إيقاعها ، ودودة في غضبتها .. تواسي النفوس الحزينة وتسليها ، وتبلسم الأكباد المجروحة وتداويها ، وتهدئ من روع الخائفين وتثبتهم ، وتقلل من جنون الغاضبين وتعقلهم ، وتنير درب الضائعين وتنقدهم ...

... نقول والقول في إصلاح ذات البين ، محمود ومقبول ، " لأن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين " و " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " :
    فيا أبناء جزائرنا العزيزة .. ويا أحفاد أبطالنا الأشاوس ، وعلمائنا الأحرار ، وشهدائنا الأبرار .. يانسل طارق بن زياد وعقبة بن نافع ، ويا أتباع الأمير عبد القادر وعبد الحميد بن باديس ، ويا ثمرة المقراني وبن بولعيد ، ويا بركة أبي مدين ومحمد بلكبير .. آباء وأجداد بأسماء لأمازيغ أصلاء أحرار ، وفاتحين مجاهدين ثوار .. جميعهم رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
عبدوا الله وحده ولم يشركوا به شيئا ، فعصمهم من نزغات الشيطان وثبتهم في وجه الظلم والطغيان ..
ورضوا بالإسلام دينا ، وتركوا ما سواه من الأديان ، فألزمهم الله كلمة التقوى ، وهداهم سبل السلام ..
واتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولم يقبلوا بغيره قدوة وأسوة على مر العصور وتتابع الأزمان ..
وبمرور الشهور والأعوام ، وتواصل الأجيال ثمرات الأرحام ، وتراكمات التجارب ونتاج الأفهام ، تكون هذا المجتمع الفريد العنيد ، ومازال ينصهر ويتماسك ويتوحد ، حتى صار كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .. فقال فيه الأمازغي الأصيل القح :
   " إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ ، قد جمع الإسلام بينهم ، منذ بضع عشرة قرنا ، ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء ، وتؤلف بينهم في العسر واليسر ، وتوحدهم في السراء والضراء ، حتى كونت منهم ، ومنذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا ، أمه الجزائر وأبوه الإسلام ".

شعب الجزائر مسلموإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصلهأو قال مات فقد كذب
.. فكانت هذه الجزائر الأمازيغية بالعرق والأصول .. هي ذاتها الجزائر المسلمة بالروح والدين .. هي ذاتها الجزائر العربية بالثقافة واللسان .

.. نعم أبناء شعبنا الكريم : هذه الجزائر.. هي آباؤنا وآباؤكم ، وأجدادنا وأجدادكم .. وجهودنا وجهودكم ، وأمجادنا وأمجادكم .. ودماؤنا ودماؤكم ، وجراحنا وجراحكم .. وحسناتنا وحسناتكم ، وسيئاتنا وسيئاتكم .. هي نحن وأنتم ، هي أبناؤنا وأبناؤكم ، والذين من بعدهم ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..

إن شعبنا هذا الذي نحن منه وبه وله .. هو الذي وقف في وجه الرومان والوندال وغلبهم .. وعاند قساوة الطبيعة وعاش بقدرة الله رغما عنها .. واستقبل الدعاة المسلمين وفتح معهم الأندلس وقهر الأسبان ، وتحالف مع إخوانه العثمانيين وسيطر على البحر المتوسط .. واستضعفته فرنسا بعدما دارت الأيام دورتها ، فاستعمرته ردحا من الزمن غير قليل .. حتى إذا توهمت وظنت ، أنها قطعته من جذوره .. وسلخته من أصوله .. ومسخت هويته .. زأر في وجهها زأرة الأسد الجريح .. وثار ثورة الغاضب للحق بالجهاد الصحيح .. فقدم النفس والنفيس ، وباع الغالى والرخيص ، واسترجع الأرض والحرية ، وصان العرض والكرامة ، وحقق الإستقلال والسيادة .
    إن الشعب الذي حقق الأمجاد المذكورة ، هو نفسه هذا الشعب الصبور ، الذي فاق صبره صبر أيوب عليه السلام .. فقد تحمل الأذى من أبنائه وأعدائه ، ودفع الثمن غاليا بماله وجراحه ودمائه ، وتنازل عن حقه في سبيل الله وإنقاذ شرفه وبلاده....
   إن وطنية هذا الشعب وإيمانه وكرمه .. يفرضون عل كل شريف في السلطة كان أو في المعارضة ، داخل النظام الحاكم ومن آزره ، أو في صفوف الجبهة الإسلامية ومن ناصرها ، مع القوات النظامية ومن أيدها ، أو إلى جانب المعارضة المسلحة ومن والاها .. عليهم جميعا أن يعترفوا بأخطائهم مهما كانت ، كبيرة أو صغيرة .. كثيرة أو قليلة .. مبررة أوغير مبررة .. متعمدة أوغير متعمدة .. حتى يعرف الناس ، الفرق بين الخطأ والجريمة ، وبين الإرهاب وحق الدفاع عن النفس .. ثم يقدموا في خشوع واحترام تعازيهم واعتذاراتهم .. ثم يصطفوا أمامه واقفين في استعداد لا يتحركون .. وبعدها إن شاء سامحمهم ، ويكون قد وصل رحمه وتفضل وأحسن .. وإن شاء حاسبهم ، ويكون قد احتكم إلى الحق وعدل وأنصف ..

إن هذا الشعب العزيز .. يستحق منا جميعا ، كل التقدير والإكبار ، والطاعة والمحبة .. ولن نعبر له عن هذه الحقيقة .. إلا إذا قررنا حقا وصدقا .. أن نجعله عزيزا سيدا ، يمارس حقه بكل حرية ، في بناء منظومة الحكم الراشد التي أساسها ، دستور البلاد والهيئات المنتخبة ..
دستور ، يأتي كزبدة لميثاق شرف وطني ، تشارك في وضعه كل مكونات المجموعة الوطنية .. و هيئات ، تنتخب بكل سيادة ، انتخابا حرا ، نزيها شفافا .
   ولن يتحقق هذا ، إلا إذا اجتمعنا على قلب رجل واحد ، ثم نذهب جميعا ودون تردد ، إلى مصالحة حقيقية .. تصلح ولا تفسد .. تجمع ولا تفرق .. تبني ولاتهدم ..
مصالحة تعرف لكل جزائري قدره .. وتضع لكل ظالم حده .. وترجع لكل مظلوم حقه ..
مصالحة لا تستثني أحدا .. مصالحة جامعة شاملة .. مصالحة تقودنا إلى دولة الحق والقانون ، حيث يكون الجميع سواسية أمام العدالة .. الرئيس والمرؤوس .. القوي والضعيف .. الغني والفقير .. المتعلم والأمي .. الفطن والمغفل .

أيها الشعب الجزائري المسلم .. إننا اليوم إذ نذكر الشرفاء الأطهار.. ونخاطب الجزائريين الأحرار .. فإنما ندعوهم ونحثهم ، على العمل صفا واحدا ، لتحقيق الأهداف المشتركة الكبرى .. خدمة لهذا الوطن العزيز ، ووفاء لدماء شهدائنا الأبرار ، وتقوية للوحدة الوطنية ، وصدا لأي تلاعب رخيص بآلام الشعب وجراحه ، وإننا لنربأ بالقوى الوطنية الحية ، أن تقع ضحية المؤامرات الدنيئة ، والفخاخ المنصوبة هنا وهناك ، من قبل أخطبوط صهيوني قتال ، يحاول السيطرة على بلادنا وشل حركة الخير والإصلاح والتقدم فيها ، ساعيا إلى تقويض عرى السلم والمصالحة ، بادلا جهده مصرا على إبقاء الجزائر غارقة في براثن الفقر والفساد ، والحقرة والتهميش ، ودولة الفوضى واللاقانون ...

نعم .. أيها الخيرون الأحرار .. في أي موقع كنتم .. هلموا لنتعاون على تحقيق ما مات من أجله الشهداء ، وضحى في سبيله المجاهدون الشرفاء .. "دولة جزائرية مستقلة ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية" .. ولا يضركم بعدها كل أفاك أثيم .. ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ .

في الأخير .. بقي لنا ، ونحن في بداية شهر رمضان الكريم ، أن ندعو الله عز وجل لنا ولكم ولجميع أبناء الأمة الإسلامية ، بالهداية والرشاد ، والرحمة والمغفرة ، والخير والبركة ، والمحبة والإخاء ، والتضامن والتآزر ، والنجاح والفلاح ... اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا وأجمع شملنا ووحد صففونا واهدنا سبل السلام ... آمين .

عاشت جزائرنا حرة مسلمة أبية .. وعاش شعبنا عزيزا سيدا مكرما .
                                                                                                  
                                                                                           مدني مزراق
تنبيه :
_ الأخطاء المطبعية والخلط بين الأسئلة والأجوبة وتداخلها ، التي ظهرت في الحوار المكتوب ،لاتلزم إلا الجريدة ، وأنا مسؤول عن كل كلمة قلتها في الحوار المتلفز ...
_ من أراد أن يطلع على أفكارنا ويعرف مواقفنا ويتأكد من صحة مشروع المصالحة الذي طرحناه وأكدناه منذ سنوات الدم والدمار إلى يوم الناس هذا .. فليعد إلى موقعنا : مدني مزراق أو madanimezerreg.blogspot.com