بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *﴾
أيها الشعب الجريح..
وقد تكون الحقيقة ، مرة ومؤلمة .. لكنها قطعا ، تنير العقل ، وتريح النفس ، وتطمئن القلب ، وتشرح الصدور.
وقد ينقد الكذب أصحابه مؤقتا .. لكن الصدق ، ينجي أهله ، دائما وأبدا .. لأن حبل الكذب ، قصير وضعيف .. وحبل الصدق ، طويل ومتين.
شعبنا الصبور:
إن المتنافسين على كرسي الرئاسة ، مع كل أسف ، لم يتطرقوا في برامجهم الإنتخابية المكتوبة إلى الأزمات القاتلة ، التى تعيشها بلادنا .. وبدلا من الذهاب إلى بيت الداء ، إختاروا القفز على الحقيقة ، والهروب إلى الأمام ، وراحوا يتنافسون في تشخيص خاطئ ومظلل للخطر الكبير الذي يتهدد البلاد والعباد ، واكتفوا بتقديم الحلول الترقيعية ، لمشاكل بديهية ، ونتائج حتمية للفوضى المؤسساتية والأخلاقية التى غرق فيها النظام ..
وإن تعجب فعجب أمر هذه البلاد ... فالرئيس فيها شفاه الله ، مريض لا يقوى على الكلام ، وعاجز لا يستطيع القيام ، ورغم ذلك فإن العصب المؤثرة على خلافاتها ، اتفقت على بقائه .. والأحزاب المهيمنة ، وهي في صراعها وانقسامها ، توحدت على دعمه .. والمنظمات الجماهرية الكبرى كلها ، تفضل استمراره وتصر على نجاحه .. وهؤلاء كلهم جزائريون ، لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وهذا خيارهم .. وإذا كنا قد جزمنا بأن مصلحة البلاد تكمن في انسحاب الرئيس ، فقد قدروها في بقائه واستمراره ، وهذا رأيهم .. وشئنا أم أبينا ، فإن الصندوق سيسجل حضورهم ويحصي أعدادهم.
... وعلى عكس ذلك ، فإن الأخ علي بن فليس ، الذي يمثل أملا كبيرا لفئة معتبرة من الجزائريين المتحمسين ، ورغم تمتعه بكامل قواه العقلية والبدنية ، فقد حاول جاهدا ، كسب تأييد المعارضة المعتمدة ، لكنه لم يستطع ، رغم أنها تتفق معه في كثير مما يدعو إليه .. كما أخفق في إقناع المعارضة المقصية ، التى أبدت استعدادها لعقد شراكة نضالية ، تهدف إلى تصحيح الأوضاع بالحوار والمصالحة ، وتقويم النظام بالحق والمنافسة ، وخدمة الشعب بالصدق والمصارحة .. وحتى وإن كانت رغبتنا ورغبة الساخطين على الوضع ، هي أن يحقق الأخ علي ومن سار في ركبه ، نتيجة محترمة مرضية ، تمثل مستقبلا قوة مضادة منظمة ، تسمح بإحداث توازن حقيقي في منظومة الحكم ، فإن الواقع يقول .. إن الذي صعب عليه إحداث وفاق بين أقطاب المعارضة وتردد في طرح أهم قضاياها ، وهو حر طليق ، لا تقيده إلا مبادئه وقناعاته .. لا يمكنه أن يفعل ذلك وهو في الحكم ، عندما يصبح شبه أسير تتقاذفه مصالح العصب الضاغطة ..
إن أزمتنا يا شعبنا قد أصبحت أزمات .. والخطر بات أخطارا .. والكارثة المرتقبة ستصير كوارث ، إن لم يحفظنا الله بحفظه ويهدينا إلى سواء السبيل .. فهي أزمة ثقة أولا ، وأزمة أخلاق ثانيا ، وأزمة مؤسسات ثالثا ، وأزمة تسيير رابعا ...
فأزمة الثقة التى نعيشها ، بدأت بين الحاكم والمحكوم ، ثم تطورت فشملت العلاقات بين مكونات المجموعة الوطنية ، ثم تفاقمت فضربت في الصميم ، الروابط التى تحكم المؤسسات الدستورية الكبرى للدولة .. ثم انتشرت كالنار في الهشيم ، تفتت المجتمع شيعا وأحزابا ، وجماعات وأفردا ، كورم سرطاني ، استسلم للقاعدة الفوضوية ، في الإنقسام والإنشطار ...
... أما الثقة المفقودة ، فلن تعود إلا بحوار عميق وشامل ، تشارك فيه كل الشخصيات والفعاليات ، الممثلة لمختلف التيارات السياسية والإجتماعية والثقافية ، التى تتكون منها المجموعة الوطنية .. يناقشون فيه أهم القضايا الكبرى ، وينتهي بصياغة ميثاق شرف وطني ، يكون بمثابة الوثيقة المرجعية الشاملة ، يمثل الدستور جوهرها ، ومشروع المجتمع الذي حلم به المجاهدون الأطهار ، وقتل في سبيل تحقيقه الشهداء الأبرار ، هو تفاصيلها ..
فالدستور التوافقي هذا ، ينهي أزمة المؤسسات تلقائيا .. ومشروع المجتمع ، يقضي على أزمة الأخلاق تدريجيا .. وتبعا لنتائجهما تبرز طلائع النخب التى تجعل من أزمة التسيير، والرشوة والتبذير، حكاية تحكى ، وماض قد ولى ، و أثرا بعد عين ، بعون الله وتوفيقه .
أيها الشعب ..
ولن ندعوك إلى المقاطعة .. فقد قاطعت طويلا ، ولكن دون جدوى .
ولن نشجعك على المشاركة بالورقة البيضاء ، فقد فعلت ذلك في استحقاق 2012 ، وكنت القوة الأولى ، والحزب الفائز .. لكنها ، كانت صرخة في واد ونفخا في رماد .. فلا السلطة استمعت إليك .. ولا المعارضة اعترفت بوجودك ..فإن أبيت إلا أن تكون واحدا من هؤلاء الثلاث ، وقررت أن تشارك في صناعة قدرك ، عبر تحديد الموقف من الإنتخابات .. فكن حرا شريفا ، وافعل ذلك بقناعتك وخيارك ، واحرص على إسماع صوتك لمن يهمه الأمر ، في السلطة كان أو في المعارضة ، بالأساليب الصحيحة ، والطرق السلمية ، وضمن الأطر المشروعة ، ومع القيادات الصادقة المسؤولة ..
... وإياك .. ثم إياك إياك ، أن تستجيب إلى نداءات الفوضى والحرق والتخريب ، من أي جهة كانت ..ففيها خسرانك .. ودمار بلادك .. وضياع دينك وعرضك ومالك ..
لأن أصحاب هذه الدعوات حيث ما كانوا ، في النظام أو داخل الأحزاب السياسية .. في صفوف الحركة الإسلامية أو في تنظيمات المجتمع المدني ، لا يحسنون الصيد إلا في المياه العكرة ، ولا يستطيعون التحرك إلا في الظلام الدامس .. فهم يأتونك بليل ، ويتنكرون لك في النهار .. يجلسون معك في الخفاء ، ويتجاهلونك في العلن .. يعرفونك في الرخاء ، ويتبرؤون منك في الشدة .. يحتمون بك عند الخوف ، ويشهدون ضدك بعد الفرج " هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنا يؤفكون".
لأن أصحاب هذه الدعوات حيث ما كانوا ، في النظام أو داخل الأحزاب السياسية .. في صفوف الحركة الإسلامية أو في تنظيمات المجتمع المدني ، لا يحسنون الصيد إلا في المياه العكرة ، ولا يستطيعون التحرك إلا في الظلام الدامس .. فهم يأتونك بليل ، ويتنكرون لك في النهار .. يجلسون معك في الخفاء ، ويتجاهلونك في العلن .. يعرفونك في الرخاء ، ويتبرؤون منك في الشدة .. يحتمون بك عند الخوف ، ويشهدون ضدك بعد الفرج " هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنا يؤفكون".
أيها الشعب الكريم ..
كن كما عهدناك ، مؤمنا بالله ، متضامنا في الأزمات ، موحدا في مواقفك ، رافضا لأي تهديد من أي جهة كان ...
اللهم ألف على الخيرقلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، ولم شملنا ، ووحد صفوفنا ، وقو شوكتنا ، واهزم أعداءنا ، واحفظ بلادنا ، واهدنا سبل السلام ، آمين.
مدني مزراق
الثلاثاء 15 أفريل 2014 م
الموافق لـ 14 جمادي الثانية 1435 هـ