حوار

أُجري هذا الحوار الجمعة 15 جويلية 2011م الموافق لـ 13 شعبان 1432هـ لكنه مع الأسف لم يُنشر .. وهذه هي حرية الصحافة في بلادنا .. وها نحن ننشره كما هو ، دون زيادة ولا نقصان ؛ اليوم 05 نوفمبر 2011 في هذا الموقع .

سألني أحد الإخوة الصحفيين ، بعدما سمع جوابي ، ردّا و تعليقا ، على العفو الذي أصدره رئيس الجمهورية ، في حق المجرم قاتل الشيخ على مراد .. سألني متعجبا فقال :

تتكلمون عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ .. أين قادتها ؟ أين قاعدتها ؟ نحن لا نراها ، هي لا وجود لها ..

فقلت : أنت لا تراها لأنك لا تريد أن تراها .. وتسال عنها وكأنك لا تعرفها. ولو عدت إلى الوراء قليلا عبر الزمن، لعرفت أن قاعدة الجبهة ، هي هذا الشعب الذي نحن منه وبه وإليه. هي هؤلاء الضعفاء المقهورون ، والعمال المغبونون، والأساتذة المهمّشون ، والأطباء المهانون ، هي هذه الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الشعب وفي مقدمتها الشباب ممن بلغوا سن الإنتخاب والمشاركة السياسية ، ولم يجدوا من يؤطرهم ويوجههم ويأخذ بأيديهم ، ليساهموا في إصلاح شؤون حياتهم وبناء دولتهم ...

ألا تعلم أيها الأخ : أن العدد الرسمي الذي قدمته وزارة الداخلية عن الكتلة الناخبة هو 20600000 جزائري ؟

ألا تعلم : أن كل الأحزاب مجتمعة لا يبلغ عدد المنخرطين فيها مليون جزائري ؟

لماذا يبقى 19600000 جزائري بلغ السن المطلوبة خارج اللعبة السياسية .. ألا يهتمون بمصيرهم ؟ ألا يريدون المشاركة في صناعة قدرهم ؟ هل هم عاجزون ومهملون إلى هذه الدرجة ؟ لماذا يغامر هذا الشباب بنفسه بالهروب من وطنه عبر ركوب البحر ؟ لماذا يقبل بالمتاجرة في الممنوعات ؟ لماذا يستهويه التهريب والعمل خارج القانون ؟ لماذا ينخرط في خلايا الدعم اللوجستيكي للقاعدة؟ لماذا يلتحق بالجبال ؟ لماذا يغادر هذا الشباب مقاعد الدراسة مبكرا ؟ لماذا يخرب ؟ لماذا يحرق ؟ لماذا يثور ؟

الجواب بسيط .. لأن الطبقة السياسية المعتمدة ، لم تستطع ، وربما لم تحاول اصلا ، إقناع هذا العدد الهائل من الجزائريين وتأطيرهم .. بينما استطاعت الجبهة ، وهي الحركة السياسية الهاوية آنذاك ، أن تجمع في ظرف قياسي ، مليون منخرط في صفوفها .

هل تعلم لماذا ؟

لأنها .. رغم العيوب والنقائص ، التي حملها معهم إلى صفوفها ، الإنتهازيون والوصوليون وأصحاب الحسابات الشخصية والآفاق الضيقة ، استطاع رجالها الصادقون ، أن يلزموا أنفسهم العيش في وسط شعبهم ، ويشاركونه أفراحه وأقراحه ، ولم يعتمدوا في نضالهم بعد الله ، إلا على المحبين والمتعاطفين ، ولم يقبلوا مليما واحدا من النظام الحاكم .

.. وحقيقة الوضع اليوم .. هو أن الشعب مازال هو هو لم يتغير .. لكنّه يفتقد حزبًا مثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ .. ويبحث عن رجال مثل رجالها ..

ولمن لا يصدق هذا ، ما عليه إلا أن يرفع التحدي ويجرب ، ليعرف الحقيقة من الخيال ، وأفعال اليقظة من أضغاط الأحلام ..

وماذا عن القيادة ؟ لم تجبنا عنها

.. يخطأ كثيرا ويبتعد عن الحقيقة ، من يعتقد أن الإسلام يتشرف أو ينتصر بزَيدٍ أو عمرٍ من الناس، بل العكس هو الصحيح ، فالناس جماعة كانوا أو أفرادا ، مهما علا قدرهم أو انخفض ، هم من يتشرفون بدخولهم في الإسلام ، وينتصرون ، إذا تمسكوا بتعاليمه وتوكلوا على الله العلي القدير ..

والجبهة .. حزب سياسي وطني بمرجعية اسلامية ، التف حول قادته الشعب ، لأنهم رفعوا شعار ’’الإسلام هو الحل‘‘ وكادوا أن يجعلوا منه واقعا ملموسا لولا كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ..

ولأن النظام التائه ظن كما ظننتم ، إن انتصار الجبهة ، سببه الشيخان عباسي وبن الحاج وأعوانهم ، فقد فكّر وقدّر ، ثم دبّر وقرّر ، أن يضع من ذكرناهم آنفا في غيابة السجن ، حتى يخلو له الجو ، ليقضي على الجبهة الإسلامية للإنقاذ ديموقراطيا .. غير أن الله سبحانه ، جعل تدبيرهم في تدميرهم ، وكيدهم في نحرهم ، وأتاهم من حيث لم يحتسبوا ، فإذا بالجبهة تكتسح الساحة ، وتغرق النظام وأعوانه وأذياله في بحيرة الديموقراطية ، بسلاح الإنتخابات الحرة والنزيهة ، رغم المكائد والتضييق وحالة الحصار ..

وأتذكر يومها .. وقد كنت عضوا في اللجنة الوطنية للإنتخابات " للفيس " ، وبينما كان الأخ العزيز الشيخ الشهيد عبد القادر حشاني رحمه الله ، يستعد للتنقل إلى مقر (CPVA)  لتنشيط ندوة صحفية إحتفالا بالنصر المبين، قلت له مازحا : لنفترض إني صحفي مغرض ، وسألتك هذا السؤال : لماذا فاز رجال مغمورون في ولاياتهم ، وتفشل أنت رغم ظهورك اليومي في الجرائد والتجمعات وأنت على رأس الجبهة ؟

فتبسّم .. وهو الرجل الطّيب الودود ، ابتسامة حيرة ودهشة .. فاستطردت قائلا : في مكانك أجيبهم بما أجاب به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما سُئل عن عزل خالد ، والجيش يستعد لواقعة اليرموك الفاصلة . وقد خشي الصحابة أن ينهزم المسلمون بغير قيادة خالد ..

قال عمر رضي الله عنه : ’’والله .. لم أعزل خالدا لضعف فيه أو تقصير بدر منه ، وهو من تعلمون في الجاهلية والإسلام ، لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف الله المسلول ، الذي سله الله على أعدائه ، لكنني خفت أن يفتتن الناس من أبناء الأمصار بخالد ، ظنا منهم أن الإسلام لا ينتصر بغير خالد . فأردت أن أعرفّهم بأن الإسلام ينتصر بلا إله إلا الله  محمد رسول الله ، وفي غياب عمر وخالد وغيرهم .. أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه .

وأنا أقول اليوم ، إن الله يريد أن يعلّمنا ، أن الجبهة تنتصر بمدى تمسك ابنائها بمادئ الإسلام وتعاليمه ، وليس بزيد أو عمر من الناس ، لذلك لم أفز في الدور الأول . ﴿ وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ﴾

فنظرت في عيني أخي عبد القادر ، فإذا هما تلمعان...وكانت فكرة صائبة ، في قالب المزاح والدعابة .

وصدق رسول الله «إنما تنصرون بضعفائكم ودعائهم»

ما الذي تعرفه عن أنور مالك ؟ وكيف تعلق على ما يكتب في حق الإسلاميين ؟

لم يسبق لي أن عرفت هذا الشخص ، أو سمعت عنه ، وليس لي معه خصومات أو ضغائن ، وإذا كان ينفعه أن أعلّق على بعض مقالاته في الصحف الوطنية ، أقول وبالله التوفيق :

مما أدهشني ، أنه يكتب كثيرا عن الإسلاميين كاشخاص ، والحركات الإسلامية كتيارات ، وأعجب ما في كتاباته ، أنه لا يستند في اقواله ، إلا على شهادات سمعها من سجناء ’’ ارهابيين‘‘  كما يسميهم ، كانوا ينشطون في صفوف الجماعة المسلحة الجيا .

والمريب في كتاباته ، أنه لم يخبرنا كم بقي داخل السجن ، حتى جمع هذا الكم الهائل من المعلومات ؟

وفي الوقت الذي ينقل لنا كل النقائص والعيوب ، التي يتصف بها الإسلاميون ، حسب شهادات ’’الإرهابيين‘‘ ، لم نقرأ له ، أو نسمع منه ، حكايات عن الجرائم البشعة ، والإنتهاكات الخطيرة ، والسلوكات المشينة ، التي تفنن في نقلها ’’الإرهابيون‘‘ من الجيا ، وهم يتحدّثون عن رجال النظام المتعفن ؟

أم أن ’’الإرهابيين‘‘ صادقون في حكمهم على الإسلاميين ، وكاذبون في حديثهم عن الإستئصاليين ؟؟؟

وقد كتب مؤخرا ، عن الشيعة والتشيع في الجزائر ، وساق أحاديث وقصص ، هي ابعد ما تكون عن الحقيقة ...              

و للتاريخ والحقيقة نقول : إن المتهمين بالتشيع في الجزائر ، هم بعض من شباب الحركة الإسلامية القدامى ، الذين تأثروا بالثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني ، وهؤلاء ، كشباب اليوم ، ممن تأثروا بحركة حزب الله اللبنانية .. كلاهما يؤيد الجمهورية الإيرانية وحزب الله سياسيا وثوريا ، ولا علاقة لهم بهما عقديا وفقهيا ..

وإذا وجدنا في بعض الأماكن المتفرقة عبر الوطن الكبير ، أفرادا يحيون ايام عاشوراء – إذا صح هذا -  فهم كغيرهم من الفضوليين ، الذين يفتتنون بالمظاهر والطقوس ، التي يتابعونها عبر الفضائيات ، وهؤلاء إن وجدوا ، لا يمثلون واحدا في الالف ، من الخطر الذي يهدد المجتمع الجزائري ، بسبب التنصير وحملات التبشير والتكفير ، التي ينشط أصحابهاجهارا نهارا ، رغم أنف الدولة الجزائرية ، التي ينص دستورها صراحة ’’أن دين الدولة الإسلام .‘‘

ناهيك ، عن الخطر الذي تمثله نوادي الروتاري الصهيونية ، التي تنشط اليوم رسميا في جزائر الإسلام والشهداء .

أما مهرجانات الفسق والمجون ، التي ينظمها دعاة الإنحراف والرذيلة ، أين تصرف الأموال الطائلة ، التي تدفعها الدولة الجزائرية من خزينة الشعب المقهور المحقور ، فحدث عنها ولا حرج .. وعدّد ما شئت من المؤامرات والمكائد ، التي تحاك ضد هذا الشعب المسلم ودينه وقيمه .

إن الجزأرة التي يتحدث عنها الأخ أنور من فرنسا ، هي حركة إسلامية جزائرية صرفة ، وخزّان كبير للمتعلّمين والإطارات وأصحاب الشهادات العليا ، تلقوا تربيتهم في مساجد الجزائر العميقة ، على يد علماء أجلاء ، نذكر منهم ، المفكر مالك بن نبي ، والشيخ أحمد سحنون ، والشيخ عبد اللطيف سلطاني ، والشيخ العرباوي ، رحمهم الله تعالى .

والجزأرة .. رغم خلافنا مع رجالها في بعض الجزئيات الحركية ، هي التنظيم الوحيد الذي رفض أن يتّخذ مرجعيّته من خارج الوطن ، وأصرّ أن تكون المرجعية ، هي جمعية العلماء المسلمين بقيادة رائد النهضة الجزائرية العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس .. وعلى هذا الأساس ، أتهموا بالإقليمية ، وأطلق عليهم اسم الجزأرة ، لتمسكهم بجزائريتهم .

لهذا أقول للأخ أنور ، إذا أردت أن تكتب شيئا صحيحا مفيدا في هذا الباب ، فما عليك إلا أن تجلس إلى أصحاب الأمر الحقيقيين ، وتسمع منهم ما يجب أن تنقله بأمان إلى القراء الأفاضل .

واجعل دوما نصب عينيك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع .»

و لا تنس أنه مهما بلغ الخلاف بينك وبين الإسلاميين ، فكلاكما ينتمي إلى نفس العائلة .. عائلة الجزائر الأصيلة المتأصلة القحة .. وعدوكم في المعركة واحد .. فرنسا الصهيونية و عملاءها .. هدانا الله وإياكم إلى طريق الله المستقيم .

ما الذي تنوون فعله الآن بعد الذي حدث ويحدث ؟

سنستمر بعون الله في نضالنا ، ونواصل طريقنا نحو الغاية المنشودة ، وهي التغيير العميق الصالح المفيد الذي يعيد للدين مكانته ، وللشعب حقه وكرامته ، وللوطن أمنه واستقراره ، سنطرح بحول الله مشروعا إصلاحيا ، بيّنة مبادءه ، قوية أفكاره ، واضحة معالمه ، محددة خطواته .. نلزم من خلاله رؤوس الدولة الحجة ، ونجمع حول بنوده ما استطعنا ، أبناء الحركة الإسلامية ورجال الحركة الوطنية ، وبمجهودناومجهود هؤلاء وأمثالهم نجند أبناء الشعب الباحثين عن الحق ، التوّاقين للإنعتاق والحرية .

.. وإذا كنا قد خاطبنا رئيس الجمهورية في رسالتنا السابقة ، بلسان الشعب الحليم الصابر المكلوم .

فإن الوضع يحتم علينا اليوم ، أن نكلمه بلسان الشعب المتدمر الغاضب المظلوم ...

ونعوذ بالله من أن يأتي اليوم ، الذي نتصرف فيه بعقلية الشعب الثائر المجنون ...

اللهم احفظ الجزائر .. دينا .. وشعبا .. ووطنا .. آمين يارب العالمين .