رسالة إلى المجاهدين

هذه رسالة كتبناها لآبائنا المجاهدين سنة 1995م ، نصحناهم فيها ودعوناهم إلى القيام بخطوات جريئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .

                                         بسم الله الرحمن الرحيم

الجبهة الاسلامية للإنقاذ / 
الجيش الاسلامي للإنقاذ / 7 أوت 1995

إلى آبائنا وإخواننا المجاهدين ، أبطال ثورة التحرير ، وصانعي مجد الجزائر ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
إن الجزائر التي أكرمكم الله بتحريرها من يد المستعمر ، بعدما سقيت بدماء مواكب الشهداء ، وضرب شعبها أروع الأمثلة في التضحية التي عرفها التاريخ ، ليحيا على أرضها وتحت سمائها حرّا أبيّا سيّدا ، قد أضحت رخيصةً تباع في المزاد ، يساومها أعداء الأمس بأبخس الأثمان .
نعم .. إنها لَحقيقة مرة ، وإنه لواقع أليم .. حقيقة تفرض على أبناء الجزائر البررة رصّ صفوفهم ولمّ شملهم ، وتوحيد جهودهم ، والالتقاء على كلمة سواء .. وواقع أليم مرير ، يذكر أبناء الجزائر البررة بالأخطاء التي اقترفوها ، اتجاه شعبهم وفي حق وطنهم ، فيجعلهم يشعرون بالذنب ، ويسمعون تأنيب الضمير ، ليهبّوا بعد ذلك هبة رجل واحد ، لإصلاح ما فسد ، وتعويض ما فات ، وإنقاذ ما تبقى .
ونظرا لأننا نعتبر أنفسنا جزءًا من جبهة الغيورين على هذا الوطن ، الصادقين في الدفاع عن هذا الشعب ودينه وقيمه ، نرى لزامًا علينا تذكير من نراهم أحق الناس بالوصاية على الشعب والوطن ، واسداء النصح لهم ، وتنبيههم وتشجيعهم على افتكاك زمام المبادرة ، لنصرة الدين ورفع الظلم على الشعب وإنقاذ الوطن .
لذا نذكركم بالعهد الذي قطعتموه مع اخوانكم الذين قضوا نحبهم ، ومازلتم تنتظرون ، والذي يتمثل في بيان أول نوفمبر الذي ينص صراحة على إقامة دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية .
نذكركم بالعهد الذي قطعتموه مع شعبكم ، والذي مفاده أن الجزائر هي للجزائريين جميعا ، وأن خيراتها سوف توزع بالعدل والسوية على ابناء الوطن الحبيب .
نذكركم بالمداشر التي أحرقت ، وبالأرواح التي أُزهقت ، وبالأعراض التي انتُهكت ، والأموال التي أُتلفت من قبل فرنسا وعملائها .
نذكركم بأيام الثورة ووقائع الجهاد المبارك ، التي حتمت على كل مخلص صادق أن يطلق الدنيا قانعا بالفقر ، ويؤثر الجهل لأبنائه على الجلوس على مقاعد المدرسة الفرنسية .
نذكركم بأيام الثورة ووقائع الجهاد المبارك ، التي كانت فرصة ثمينة إهتبلها كل عميل خائن من أجل أن يجمع الدنيا ، ويتبوأ في كنف الدولة الاستعمارية منصبا ، مُمكِّنًا أبناءه من التعلم والحصول على الشهادات .. ومن المفارقات العجيبة الغريبة المؤلمة ، أن الخائن العميل وجد نفسه مسؤولا مرموقا في وزارة من الوزارات أو إدارةمن الإدارات ، أما المجاهد الذي خدم الثورة مخلصا ، فقد وجد نفسه بوّابا حقيرا ، يأمره الخائن فيطيع ، ويطلبه فيأتي ، ويزجره فينتهي !
نذكركم بأرملة الشهيد التي ضاقت بها الجزائر ، ولم تجد إلا مكتب العميل الذي حاربه زوجها لتمسحه وتنظفه من بقايا سجائره ، وبصاقه العفن ، ولم تجد لأبناء بعلها الشهيد إلا الجوع والعري والجهل إلا فيما نذر .
نذكركم .. نذكركم .. بماذا نذكركم ؟ وأنتم أعرف الناس بالمصائب الماحقة ، والبلاوي الحالقة ، التي حلت بالجزائر وشعبها .. لكن رغم ذلك ، لنا في الأخير أن نذكركم ، بيوم تلتقون فيه عند ربكم برفقاء السلاح ، شهداء الأمس ، ويسألونكم عن الجزائر ، عن إسلامها ، عن شعبها ، ويسألونكم عن أبنائهم ، وزوجاتهم .. فماذا أعددتم لهم من جواب؟.

أيها المجاهدون ..
    نرى من حقكم علينا أن ننصح لكم ، النصيحة الحيية المخلصة ، التي لا غش فيها ولا مواربة ، ولا تدليس . امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .» ، فنقول – وبالله التوفيق –  إن فرنسا الاستعمارية بعدما يئست من قتل روح الجهاد فيكم ، وتأكدت من عزمكم على قهرها ، وانتشال الجزائر من بين براثنها ، لجأت إلى حيلة خادعة وخطة ماكرة ، وبرنامج خفي ، تتجلى أهم خطواته في ما يلي :
  1. تكوين نخبة عسكرية وإدارية عميلة ، وتمكينها بطرق خاصة من الإلتحاق بصفوف المجاهدين في آخر أيام الثورة ، لتتولى بعد الإستقلال المناصب الحساسة في الجيش والإدارة .
  2. تأهيل الشيوعيين وأعداء الثورة ، وتكوينهم سياسيا وايديولوجيا ، ليكونوا ذوي قدرة على التأثير في مجرى الحياة السياسية والإجتماعية للجزائر المستقلة ، سواء كانوا في مركز سلطة يسمح لهم بالتأثير في قرار الدولة ، أو في مقام معارضة يسمح لهم بالمناورة المشاغبة والتعتيم والتأثير في توجهات الراي العام .
  3. مكنت عملاءها من " الحركة والقياد " من الأراضي الشعبية المغتصبة ، وبعض المؤسسات الاقتصادية الصغيرة ، ودعمتهم برأس المال الكافي ، الذي مكنهم من تبوء مكانة محترمة مؤثرة في الأوساط الشعبية .
  4. المراهنة على انقراض جيل الثورة ، الذي يسمح له رصيده الثوري وشرعيته الجهادية التاريخية ، من الفصل في كثير من القضايا المصيرية للبلاد ، ويتضح هذا جليا في مقولة زعيمهم المشهور ديغول ”سنترك لهم الجزائر ، لتعود إلينا بعد ثلاثين سنة بجيل لا علاقة له بالثورة .“
وإن القارئ الذكي للواقع الجزائري اليوم ، ليجد أن هذه الخطة قد استكملت حلقاتها الأخيرة ، ويشرف مطبقوها على الانتهاء من مشهدها النهائي ، ولا ضير أن نعطيكم صورة مختصرة عن هذا الواقع الذي شكله هذا البرنامج الاستعماري الخفي .
إن " حزب فرنسا " الذي يمثله تيار استئصالي ، الذي يعمل على إفناء الشعب وتخريب الوطن ، بإدخال البلاد في حرب اهلية مدمرة ، يعرف هو ماذا يجني من ورائها ، إن هذا التيار يتكون مما يلي :
  1. دفعة لاكست التي صبرت وتمكنت داخل المؤسسة العسكرية ، استطاعت تبوأ مناصب فيها بتواطؤ بعض الطامعين الغافلين ، من الوصول إلى أعلى المراتب العسكرية ، والتربع على المناصب التي سمحت لهم ، بالتأثير في قرارات مصيرية تهم البلاد والشعب .
  2. لفيف من الإداريين الاستعماريين ، استغلوا حاجة الثورة إلى مسيّرين ، فعششوا وباضوا وفرّخوا في كل الأجهزة الإدارية الحساسة للدولة .
  3. أحزاب سياسية لائكية شيوعية ، معروفة بعدائها للشعب والدين والوطن ، وجمعيات معروفة بعمالتها ، وشخصيات لا يخفى عليكم ارتباطاتها الخارجية وانتماءاتها الإيديولوجية المشبوهة .. إن هؤلاء جميعا يشكلون الواجهة السياسية لهذا التيار .
  4. شرذمة من الإعلاميين الفرونكوشيوعيين ، ساعدها أعداء الجزائر في الداخل والخارج على تكوين لوبي إعلامي خطير ، استطاع أن يلقي بظلاله السوداء على الساحة الإعلامية ، من إذاعة وتلفزيون وصحف ونوادي ثقافية ، صارت كلها في خدمة المخطط الإستعماري البغيض ، وهي تمثل لسان حال هذا التيار .
إن هذا التيار الاستئصالي ، بمختلف أجنحته وجماعات ضغطه ، رغم غرابته وغربته وسط الشعب ، إلا أنه استطاع أن يحقق لفرنسا الكثير مما خططت له :
  1. تشويه رموز الثورة والجهاد ، بحيث تقاسموا الأدوار المشبوهة ، فمنهم من تولّى نبش قبور الشهداء وإحراق عظامهم ، وكأنه يريد أن يقول لابن بولعيد وإخوانه :
    ها قد عدنا يا ابن بولعيد .. كما قال الصليبي الحاقد عندما وقف على قبر صلاح الدين .
    ومنهم من عمل على توريط المجاهدين ، منحوا لهم بعض الامتيازات التي تتعارض وتتنافى مع شرف الجهاد وكرامة المجاهد ، كفتح الخمارات، وإغراءهم بممتلكات الدولة والشعب .
    ومنهم من عمل على توسيخ جبهة التحرير الوطني ، بأن جعلها وكرا وسيخا يأوي إليه كل الانتهازيين والطمّاعين ، والمشتبه في ماضيهم الثوري ، وليتهم اكتفوا بذلك ، بل انهم صرّحوا لما سنحت لهم الفرصة ، على شاشة التلفزيون على مرأى ومسمع من الأسرة الثورية والشعب الجزائري جميعا : " FLN برا " .
    ومنهم من عمل على توريط الجيش الوطني الشعبي ، سليل جيش التحرير الوطني ، في قتل الشعب وسفك دمائه ، ومحاربة قيمه وانتمائه .
  2. رهن خيرات البلاد ومقدراتها الإقتصادية ، ووضعها في مزاد علنيّ ، يساومها الأجنبي بتحالف خفي مع العميل الخبيث .
  3. افقار الشعب وتجويعه ، بالاستجابة المطلقة والطوعية لشروط البنوك اليهودية ، حتى يتسنى لهم إذلال كبريائه ، وإهانته ، وقتل الروح الجهادية فيه .
  4. ووصلوا في الأخير ، إلى القضية التي لم يتجرأ أحد من قبل على طرحها ، ولم يتصور أحد من قبل أنها سوف تطرح ، ألا وهي بيع الأراضي وخوصصتها ، هذه الأراضي التي سُقيت بدماء الملايين من الشهداء ، والتي أجبرتُم فرنسا على الهروب منها من أضيق باب ، لتعود إليها اليوم من أوسع الأبواب ، وبعقود ملكية فيها خاتم الدولة الجزائرية المستقلة .
أيها المجاهدون ..
    إن المؤامرة التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين ، والأوطان الإسلامية ، مؤامرة عالمية يديرها بإحكام يهود ماكرون ، بتواطؤ صليبيين حاقدين ، وتنفيذ عملاء ممسوخين ..
إن هذه الخطة المدمرة ، تركز بنودها الأساسية ، على إضعاف القدرات الإقتصادية والعسكرية لأوطان إسلامية معينة ، وإذلال وإهانة ومسخ شعوب إسلامية محددة ، معروفة بكبريائها وشرفها وروحها الجهادية ، وعلى رأس هذه الأوطان والشعوب ، الجزائر وشعبها .
نعم .. وكما تعلمون ، فإن الجزائر ، قد تحرر بفضل جهادها وثورتها الكثير من الأطان ، وسوف يضيع  – بضياعها ، لا سمح الله –  الكثير من البلدان .. وإنّ بلدا هذا هو شأنه ، وهذه هي مكانته ، لهو في حاجة ماسة إلى رجال أقوياء .. يكونون في مستوى طموحات الشعب الجزائري المسلم ، الذي يصبو إلى أن يتبوأ مرة أخرى مكانته الريادية بين الشعوب .

أيها المجاهدون ..
     لم لا تكونون هؤلاء الرجال مرة اخرى؟.
إنه بإمكانكم القيام بمهمة ضم الجهود الخيرة إلى بعضها بعضا ، والعمل على إلتقاء قوى الغيورين الصادقين في جبهة أصيلة واحدة ، وإننا لم نأت بجديد إذا قلنا : إنكم وحدكم المؤهلون كي تكونوا أبطال هذه المهمة الصعبة ورجال ساعة الحسم المصيري ، ويومها ، حق لكم أن تشعروا بالارتياح ، لأنكم قد أكملتم مشواركم الجهادي ، ورسالتكم النوفمبرية الخالدة ، وأديتم ما عليكم تجاه الأجيال الصاعدة ، ولكم بعدها أن تستعدوا ، راضين مرضيين ، للقاء إخوانكم عند ربكم .
لذا ، فإننا نشجعكم على توجيه نداء لكافة أطراف الأزمة ، يتضمن الخطوات الأولى للحل العادل الشرعي ، الذي يعيد للدين مكانته ، وللوطن استقراره ، وللشعب حقه وأمنه ، نداء ينصف مظلوما ، ويردع ظالما ، ويفوت الفرصة على المتربصين من أعداء الدين والوطن والشعب ، في الداخل والخارج .
وإننا نعدكم ، أيها الآباء ، أنه في حالة ظهوركم بالموقف المنتظر ، ستجدوننا ذرعًا قويا ، وسندا متينا ، وأبناء بررة ، يوقعون بالدم من أجل تحقيق طموحات آباءهم الربانية الصادقة .
وإننا لعلى يقين تام ، أنه إذا صدقت النوايا ، وتجردت الإرادات ، أن موقفكم سيحقق أهدافه ويبلغ مداه ، ويغيض اعداء الأمس واليوم ، ويفرج شعبنا على أرضه ، ويطمئن شهداءنا في قبورهم ، ويرضي ربّنا في عليائه ، وعندها يدرك الجميع أن قدماء المجاهدين لا زالوا أحياءً صامدين ، لم يتجاوزهم الزمن .
ختاما نقول لكم ، إننا على أتم الإستعداد إلى الاستماع إليكم والأخذ منكم ، وتقديم العون لكم متى طلبتم منا ذلك .. وفقكم الله ، وسدد خطاكم .

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾

ودمتم في رعاية الله وحفظه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
                                                          الأمير الوطني للجيش الإسلامي للإنقاذ
                                                                              الشيخ مدني مزراق