القبائل أخوالي

حتى لا يخطأ الناس في نظرتهم وحكمهم على منطقة نعتز بها ونفتخر كتبت هذه الأسطر في 31 أوت 2005
                                           بسم الله الرحمن الرحيم

كان الوالد رحمه الله ، كلما ذكر القبائل ، قال : أخوالي …
وكلما وصفهم قال : "رجّالة " ، وكان رحمه الله ، لا يقبل تطاولا عليهم ولا ذكر سوء ، وهو الذي خبرهم جيّدا وتعلّم لسانهم ، واختلط بهم في القرى والمشاتي والدشور .. وقد عمل بنواحي توجة ، في ولاية بجاية ، ردحا من الزمن غير قليل ، يشغّل إلى جنبه أكثر من مائة عامل .. لذا نشأنا على حبهم والإعتزاز بهم ..
وتقدّمت بنا الأيام ، وتعلّمنا وقرأنا عن تاريخ المنطقة ، ما جعلنا  نزدادا بها فخراً ، ولأهلها إكبارًا وإعزازًا ..
وكنا بعدها كأبي ، رحمه الله ، كلّما ذُكِرَ القبائل قلنا : أخوالي .
عرفنا عنهم الدّين والنخوة والإباء .. عرفنا عنهم العلم والأدب والأخلاق .. عرفنا عنهم الصمود والتضحية والجهاد ..
أحببنا فيهم عظماء أبطال ، ومصلحين ثوّار : الشيخ الحّداد ، لالة فاطمة نسومر ، الشيخ الفضيل الورتلاني ، العقيد عميروش ، مولود قاسم ، الشيخ عبد الرّحمن شيبان ، الشيخ الطاهر آيت علجات ، الدكتور بن نعمان .. وغيرهم كثير كثير ...
أحببنا فيهم ، جهادهم في سبيل الله ،  دفاعا عن بيضة الإسلام ، وتمكينا للعربية لغة القرآن ، وحماية للوطن من التقسيم والإحتلال ، وصونا للشعب من الإذلال والتغريب والتكفير ..
أكبرنا في المرابطين ومن والاهم ن وهم غالبية سكان المنطقة ، عشقهم للقرآن وعلومه ، حفظا وتلقينا ، وتدريسهم للفقه والعربية ، بمختلف زواياهم المنتشرة عبر الرّبوع .
عرفناهم متمسكين بالأصالة والفضيلة ، محاربين للفساد والرّذيلة .. متشبعين بالتراث العريق ، محافظين على اللّسان والتقاليد ، في إطار مبادئ دينهم الحنيف .. تشهد على ذلك قلعة بني حمّاد ، ومنارات المساجد الشامخة ، وزوايا العلم المنيرة .. واللّباس الأصيل ، البرنوس الناصع البياض ، الذي تنسجه الحرائر الشريفات ..
لا زالت جلودنا تقشعر ، كلما شاهدنا " الأفيون والعصا " ،  وعشنا مع رجال تالة ونسائها وأطفالها ، ذاك الصمود الشامخ ، وعايشنا تلك التضحية المنقطعة النظير ، وهاتيكم المآسي التي صبّها الإستعمار البغيض ، على المنطقة وزيتونها ذي الدّلالات .
وبالمختصر المفيد ، هؤلاء ومن اقتفى أثرهم ، هم القبائل الذين نعرفهم ونعتزّ بهم ، ونتشرف بأن نكون منهم ، ونفتخر بكونهم منّا ، ونردّد عاليا :
أولئك أخوالي فجئني بمثلهم ...
أما الاصوات النشاز التي ارتفعت ، زورًا وبهتانًا ، محاولة تمثيل المنطقة وهي عليها دخيلة ، وتعمل على محاربة الإسلام وتروّج للنّصرانية ، وتسعى لاجتثاث العربية  بالتمكين للفرنسية ، ثقافة وتعلّما ومعاملة .. وتحارب الفضيلة والأخلاق ، بتشجيع الميوعة والرذيلة ، ساعية لضرب الوطن في وحدته ، بالدعوة جهرا إلى التقسيم والإنفصال ، مستغلة حماس الشباب البريء ، وتذمره من الأوضاع الإجتماعية المزرية ، مستثمرة الأوضاع الدولية والأيادي الخارجية ، في التمكين لمشروعها اللائكي التغريبي الدخيل ، المرفوض فطرة ، من الشعب الجزائري الاصيل ..
أما هذه الأصوات وشيعتها ، فليست منا ولا نحن منها ، ولا هي من الوطن والوطنية في شيء ..
ونحن إذ نعلن موقفنا بكل قوة ، فإننا نربأ بأخوالنا القبائل ، أن يقعوا ضحية هذه المغالطات ، وندعوهم إلى كلمة سواء ، أن نعبد الله بالإسلام الذي ارتضاه لنا دينًا ، ولا نقبل إلا الجزائر وطنا واحدًا موحدًا ، إسلامي الروح ، عربي اللسان ، أمازيغي الأصول ، إنساني التطلُّعات .. وفاء وإخلاصًا منا ، وتمسّكا بمواقف وتضحيات الآباء والأجداد ، التي عبر عنها ابن باديس الأمازيغي القحّ ، بمقولته الخالدة :
” إن أبناء يعرُب وأبناء مازيغ ، قد جمع بينهم الإسلام منذ بضع عشرة قرنا ، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة الرخاء ، وتؤلف بينهم في العسر واليسر ، وتوحدهم في السراء والضراء ، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة ، عنصرا مسلما جزائريا ، أمه الجزائر وأبوه الإسلام …“
                                                                                               
                                                                                                مدني مزراق
قاوس/جيجل في 26 رجب 1426 ه
31 أوت 2005م